تبدو الأوضاع السياسية العراقية على بركان خامد يمكن أن ينفجر في أي وقت نتيجة الأزمات التي تعصف في المجتمع العراقي بلا نهاية.
وستكون لذلك تداعيات إقليمية ودولية خطيرة إذا ما وقعت هذه المواجهة، خاصة بعد فشل المفاوضات الدبلوماسية الأمريكية غير المباشرة حول الاتفاق النووي مع إيران في فيينا، وتوجيه ضربات جوية لمليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران على الحدود العراقية السورية، بل وإصرار الإدارة الأمريكية على توجيه مزيد من هذه الضربات مستقبلاً، وكذلك ربط كل هذه الإجراءات بالأمن القومي الأمريكي، ما سيضفي شرعية عليها، ويجعل المواجهة مع إيران أقرب من أي وقت مضى.
إن خطر المليشيات ليس من شأنه أن يزعزع الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط، لأنها عامل توتر خطير لا يهدأ أبدًا إلا بزوال هذه المليشيات التي لا مبرر لها سوى زعزعة الأوضاع المحلية والإقليمية.
ويبدو أن كل طرف ملتزم بشروطه، الأمريكيون يسعون إلى فرض إرادتهم على النظام الإيراني من أجل التوقيع على الاتفاق النووي بصيغته الأخيرة، وإصرار رئيسها جون بايدن على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية ما دام هو في السلطة، ومن ناحية أخرى تصر إيران على منع مفتشي منظمة الطاقة الذرية الدولية من زيارة موقعها النووي ودخول مفاعلاتها، والإيعاز إلى أنصارها في العراق ومناطق أخرى بمقاومة الوجود الأمريكي بشتى الأساليب والوسائل.
في حقيقة الأمر، فإن هذه المليشيات العراقية الموالية لإيران هي التي بدأت بضرب المواقع الأمريكية في العراق، مع إصرارها على إخراج القوات الأمريكية منه، وغلق معسكراتها، وهو ما تفرضه إيران على البرلمان العراقي عبر أذرعها في الداخل العراقي.
هكذا تتقلص الخيارات العراقية أمام المواجهة الأمريكية الإيرانية على أرضه، ويجد العراق نفسه أمام سيناريوهات صعبة في الأيام المقبلة، خصوصًا أنه لا يزال يتقوقع في أزماته المختلفة: الفساد، الانتخابات ونتائجها الغامضة، السلاح المنفلت، الكهرباء، الأزمة الاقتصادية، الأحزاب الفاشلة، مسلسل الاغتيالات، أزمة كورونا، وغيرها.
لذلك تبدو المواجهة الأمريكية الإيرانية حتمية في ظل هذه الظروف من خلال قراءة الأجندتين الأمريكية والإيرانية في غياب المشروع الوطني العراقي المتبلور عن الإجماع على الثوابت والسيادة والوطن.
لقد انتفت مشروعية وجود الحشد الشعبي بعد اختفاء "داعش"، فهي مليشيات خارجة عن القانون بكل المقاييس، لكنها لا تزال مستمرة على الأرض، رغم وجود جيش عراقي وقوات أمنية تُعّد بالملايين.
جميع المؤشرات تقودنا إلى أن المواجهة الأمريكية الإيرانية واقعة لا محالة، خاصة بعد صدور إدانة إيران للقصف الأمريكي لأنصارها الموالين لها، ولمخازن العتاد التي يمتلكونها على الحدود العراقية السورية، واعتبرته خرقًا قانونيًا لسيادة العراق في الوقت، الذي تشجع فيه المليشيات الموالية لها بضرب المواقع الأمريكية، دون أن تتحدث عن السيادة العراقية وتدخلها السافر في شؤونه، في محاولة للضغط على الأمريكيين.
لقد فشل العراق في أن يجد أسسًا لتنظيم علاقته بأمريكا، ولا تزال هذه العلاقة غامضة وتدور في فلك اللا قرار، في الانسحاب أو عدم الانسحاب، والالتفاف على أي قرار، حيث لا تزال القوات الأمريكية موجودة في العراق بكل أصنافها، وقرارات الانسحاب مر عليها عامان دون نتائج عملية، لأن ذلك مرتبط أصلاً باستراتيجية أمريكية طويلة الأمد من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمتلك العراق أي قرارات قانونية واستراتيجية لإخراج القوات الأمريكية من أرضه، خاصة أنه لا يتمتع بموقف موحد بين الفصائل المتحكمة بالقرار العراقي، وغير جاد في هذه القضية، بينما أمريكا متسلحة بقواعد النظام العالمي الجديد الذي فرضته على العالم أجمع.
في ظل هذه الظرف، تبدو المواجهة الأمريكية الإيرانية على أرض العراق حتمية، خاصة بعد فشل مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي، وعودتها إلى مرحلة الصفر.
لذلك يبدو أن الحسم العسكري هو الذي يطغى على الموقف مع إيران، خاصة مع استمرار الحصار والعقوبات عليها، ولا تزال أمريكا تتخوف من قرب احتمال امتلاك إيران لقنبلة نووية، وهو ما سيغير في ميزان العلاقات بين الطرفين، وهذا ما تخشاه أمريكا، على لسان رئيسها.
وفي ظل جميع الظروف المذكورة، يبقى العراق ضحية هذه المواجهة، التي قد تفتح المنطقة على جميع الاحتمالات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة