استيقظت صباحاً فإذا بدرجة الحرارة في القاهرة قد بلغت ٤٢ مئوية، وهو أمر ليس معتاداً في هذه الفترة من العام.
ثبت أن تلك الحالة الحرارية قد وصلت إلى قرية صغيرة في شمال غرب كندا حتى بلغت 49.9 درجة، وهو أمر غريب في منطقة كان يغطيها الثلج معظم العام، وهي امتداد حقيقي للقطب الشمالي الذي أخذ في الذوبان.
القرية، في الحقيقة، لم تعرف الحرارة العالية فقط، وإنما صاحبتها حرائق هائلة في الغابات المحيطة، وفي نفس الأنباء وربما امتداد ذات الساحل على المحيط الباسيفيكي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، اشتعلت الغابات أيضاً بسبب ذات الحالة من الحر الشديد.
وقبل عام تمكنت ذات الظواهر من مناطق في أستراليا، واحتاجت إلى معونات دولية كبيرة للتعامل مع ظاهرة طبيعية مستعصية.
الحر والحرارة والحريق كلها ارتبطت في الذهن الإنساني بيوم القيامة ودخول الجحيم من قبل العصاة والمذنبين.
وكما هو معلوم، فإن للأديان صورة عن يوم القيامة، يوم للهول العظيم، يفر فيه المرء من أمه وأبيه، وأخته وأخيه، ومن فرط الفزع الأعظم يصير لكل إنسان أمر يُغنيه.
توالت في كل دين صورة عن نهاية الحياة والدنيا كما نعرفها، وحاول الفلاسفة والمفكرون، وحتى الشعراء، أن يرسموا صورة لدمار الكون، وبينما كانت للجنة خيالاتها العذبة روحياً وحسياً، فإن فكرة الجحيم لاقت كثيراً من التفاصيل.
شاعر العصور الوسطى الإيطالي دانتي أليجيري (1265ـ 1321م) جسّد ما بعد الحياة الدنيا في "الكوميديا الإلهية"، التي استفاض فيها في وصف الجنة والنار، حتى ولو كانت الأخيرة، "إنفيرنو"، هي التي ذاعت بما أفاض في وصفه من مراتب الجحيم المرعبة في تفاصيلها.
ولكن الإنسان كانت له خيالاته الخاصة عن يوم القيامة وما بعده، وفي إحدى الروايات، التي صارت فيلماً بطولة "توم هانكس"، قام "دان براون" بتصوير "الإنفيرنو"، أو الجحيم، في حالة يفيض فيها الجنس البشري على الأرض، فلا يصير هناك بد من إبادة عن طريق فيروس يجعل مَن يتبقى بعده من البشر على الأرض يكفي مَن فيها من غذاء وموارد.
ولكن ربما كان أقرب الأوقات التي شعر بها الإنسان، وشاهد في الحقيقة شيئاً ملموساً عن "يوم القيامة"، كان عندما جرى استخدام القنابل الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، حين قامت الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي في اليابان.
لم يكن ذلك إلا مجرد لمحة خاطفة من الحقيقة الكبرى المروعة، لأن القنبلة آنذاك صارت تُدعى القنبلة "الرضيع" مقارنة بما أتى بعدها من متفجرات نووية عشرات أضعاف قوتها التدميرية.
في كل الأحوال، فإن صورة يوم القيامة سريعاً ما أخذت حالة من التدمير الكامل لكوكب الأرض، سواء كان ذلك بسبب حرب نووية أو غزو من خارج الكوكب، أو مؤخراً نتيجة خراب العالم بفعل الأفعال غير المسؤولة للإنسان إزاء البيئة التي نعيش فيها، حتى بات واقع "الاحتباس الحراري" جزءاً من صورة مستقبل مظلم للإنسانية.
عدد من العلماء حاولوا التعامل مع ظاهرة نهاية الكون والحضارة بوضع ساعة تحذيرية للبشرية تحسب أولاً جميع العوامل التي يمكنها أن تؤدي إلى نهاية الجنس البشري، وثانياً قدّروا ذلك زمنياً بحيث يمكن القول إنه بقي هكذا وقت قبل أن نصل إلى هذه النهاية المروعة.
آخر متابعاتي في الموضوع كانت قبل عام، وكان قد بقي سبع عشرة دقيقة على نهاية الحياة، بافتراض أن عمر الكوكب هو 24 ساعة.
الآن، فإن الموضوع قد صار أكثر تعقيداً، فقد صاحب حديث المناخ، حديث كورونا والفيروسات، التي اختبرت البشرية لعام ونصف العام حتى الآن، ولا يزال يطلق كوفيد-19 تحولاته الجينية في نوبات تصعد وتهبط وتخلع القلوب.
التجربة، رغم آلامها المستمرة، كانت مفيدة، فقد أصبح البشر أكثر تواضعاً في التعامل مع الظواهر الكونية، وجرت دورة المرض والبحث عن لقاح وعلاج، وتعديل سبل الحياة للتواؤم مع "المعتاد الجديد"، حتى جرى إسقاط القادة الذين فشلوا في التعامل مع "الجائحة"، وصارت عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس الخاص بالاحتباس الحراري ضرورية.
الفكرة الأساسية، التي قام عليها مؤتمر باريس، هي تحقيق توافق كوني على تخفيض المتوسط العام لدرجة حرارة الأرض بما يساوي درجة ونصف الدرجة خلال فترة معلومة.
ولا أعرف ما إذا كان ذلك سوف يكون الآن كافياً أم لا، ولكن المؤكد أنه عند توقيع الاتفاقية قبل سنوات كان هناك توافق أمريكي صيني على تحجيم درجات الانبعاث الحراري من المصانع والمنتجات الهائلة التي تنتجها، وإذا ما حدث فإن بقية دول العالم، وفي المقدمة منها الدول الصناعية الكبرى، سوف تمتثل بقيود الاتفاقية.
بعد خمس سنوات من حدوث ذلك، لا يبدو أن هناك تقدماً في هذا المجال، وضاع كثير من الوقت بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية ثم العودة إليها، ويبدو أن ما نراه الآن من علامات وإشارات حادة حول ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبها من حرائق تقوم بدورها في زيادة الحرارة والتلوث بالكربون معاً.
الخلاصة أنه لم يعد هناك مفر من ضرورة زيادة الالتزام الدولي بالسعي نحو "تبريد" العالم.. المشكلة في ذلك أنه لا يزال هناك كثير من أقاليم العالم التي لم تنمُ بعد، وحينما تدخل هذه في ركاب التنمية، فإنها سوف تسهم في حرارة جديدة للأرض، والعلاج لذلك، سواء كان في الدول الصناعية أو في الدول النامية، هو مزيد من الاعتماد على الاقتصاد الأخضر، الذي يحافظ على البيئة والمناخ معاً، وتفاصيل ذلك كثيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة