مطلع الأسبوع، استيقظ العالم على إعلان الولايات المتحدة أنها شنّت غارات جوية ضد أهداف إيرانية بسوريا والعراق.
قيل إن هذه الضربات أذن بها الرئيس جو بايدن في أعقاب الهجمات المستمرة على المصالح الأمريكية.
وتعتبر هذه الضربات الجوية ثاني هجوم أمريكي من نوعه على أهداف إيرانية في سوريا منذ تولي الرئيس "بايدن" منصبه، وقد اعتبرها المتحدث باسم البنتاجون "تشكل عملاً ضرورياً ومناسباً ومدروساً للحد من مخاطر التصعيد، ولكن أيضاً من أجل بعث رسالة ردع واضحة لا لبس فيها"، بينما ردت وزارة الخارجية الإيرانية على كل ذلك بقولها إن "إثارة التوتر في المنطقة ليست من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية".
في واشنطن، كان الحديث عن الأسباب والرسائل، التي أرادتها إدارة بايدن من خلال هذا القصف، فقد قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن جسر المفاوضات -في إشارة إلى محادثات فيينا- بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، اقترب من نقطة الانهيار، ذلك أن حدة المواجهة تزداد بين طهران وواشنطن، فحتى مع مواصلة المفاوضات لإعادة البلدين إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي لعام 2015، تبادل المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون انتقادات غاضبة، إذ ألقى كل طرف باللوم على الآخر في عدم إحراز تقدم، ثم وقعت هذه الضربة الأمريكية التي استهدفت مليشيات موالية لإيران على الحدود السورية العراقية.
وبينما رأى مسؤولون أمريكيون أن الضربات جاءت ردا على تزايد الهجمات بالطائرات المسيرة التي استهدفت القوات الأمريكية في المنطقة، كان التحليل الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" بقلم الكاتب المتخصص بالشؤون الخارجية، إيشان ثارور، موفقاً في قوله "إن جولة القتال الحالية هي جزء من مرحلة غليان طويلة للأعمال العدائية بين القوات الأمريكية والوكلاء المرتبطين بطهران".
وأشار التحليل إلى تزايد التوترات فيما تتداعى الجهود الدبلوماسية التي تقودها أوروبا لإعادة البلدين إلى الاتفاق النووي، إذ لم تسفر الجولات الست للمفاوضات حتى الآن عن اتفاق تخفف بموجبه الولايات المتحدة العقوبات عن طهران، في مقابل تقليص إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم.
ولا بد من الاعتراف بأن معادلة الصراع الأمريكي–الإيراني داخل العراق دائما ما نتجت عنها إراقة مزيد من دماء العراقيين، وباتت كابوساً واقعياً في حياتهم تسبب به النفوذ الإيراني الذي ينعكس سلباً على الوضع الأمني العام في العراق، ويظهر عجزاً لقادة الدولة العراقية تجاه سيادة بلادهم، التي تدفع فاتورة الإرهاب الإيراني في المنطقة، ونلحظ هذا العجز بوضوح في تصريحات مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي، حسين علاوي، عندما قال إن العراق سيتخذ جميع السبل القانونية لمنع تكرار "جريمة" القصف الأمريكي، الذي استهدف قوات من "الحشد الشعبي"، متناسياً اعتداءات هذه المليشيا على مقرات سفارات دول داخل الأراضي العراقية، وفي مقدمتها السفارة الأمريكية والقوات الموجودة بحسب اتفاقيات مع الدولة العراقية.
في المقابل، هناك مواصلة لبعض أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري، للضغط على إدارة بايدن، لفرض عقوبات على "جماعة إرهابية تدعمها إيران"، وذلك بعد أيام من شن الولايات المتحدة تلك الضربات الجوية على المليشيات المدعومة من طهران في العراق وسوريا، حيث قدم الأعضاء مشروعا لفرض عقوبات على المليشيات الإيرانية.
وقد حظيت الضربات الجوية بتأييد واسع في الكونجرس، ومع ذلك يشعر الجمهوريون في الكونجرس بالإحباط بسبب رفض إدارة بايدن فرض عقوبات على الجماعة الإرهابية التي ضربتها، وذلك في رأيي بسبب استمرار المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 في فيينا، ما جعل إدارة بايدن مترددة في إصدار عقوبات جديدة على إيران.
ومع ذلك فما زالت تتردد أصداء المشروع الذي طرحه النائب جريج ستيوب، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الذي تقدم بتشريع من شأنه أن يعاقب مليشيات "كتائب سيد الشهداء"، وهي جماعة إرهابية مدعومة من إيران كانت من بين المجموعات التي تعرضت للضربات الجوية الأمريكية.
ويعد تشريع "ستيوب" أحد الإجراءات العديدة التي يقودها الجمهوريون، والتي من شأنها زيادة العقوبات على وكلاء إيران، وحتى على إيران نفسها.
مشروع قانون "ستيوب"، الذي يقدمه مع عضو لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، جيم بانكس، ما زال يُنظر فيه من قبل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إذ قال "ستيوب" إنه سيضغط على زملائه أعضاء اللجنة للمضي قدماً في التشريع في ضوء الضربات الأمريكية الأخيرة على المليشيات الإيرانية، كما لاقى دعماً من رئيس لجنة الاستخبارات بالكونجرس الأمريكي، التي تدعم صراحة استراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع المليشيات الإيرانية بسوريا، حيث نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن السيناتور مارك وارنر، رئيس اللجنة الاستخباراتية التابعة للكونجرس الأمريكي، قوله إنه من الطبيعي أن يكون للولايات المتحدة الحق في حماية والدفاع عن قواتها من المخاطر.
كل ما سبق يدلل على أن استهداف الجيش الأمريكي للمليشيات العاملة لحساب إيران في سوريا والعراق هو رسالة بأن الولايات المتحدة في عهد بايدن لم تتخلَّ عن حزمها تجاه تلك الفصائل ولم تتراجع عن هدفها المرسوم منذ سنوات، والمتمثل في منع طهران من استخدام تلك الفصائل في ربط الأراضي السورية والعراقية وإنشاء ممر عبرها للأسلحة والمقاتلين، وأنه وللأسف "لا مجال لإبعاد العراق عن ساحة الصراع الإقليمي والدولي، ذلك أن الأطراف العراقية، وعلى رأسها الحكومة، ليست في وضع استعداد لحسم قضية استغلال أرض العراق وأجوائه في التصفيات الخارجية".
وبالنسبة للدرس، الذي على كل الأطراف في العراق أخذه بالحسبان، هو أن هناك صفحة من الغارات السريعة ستكون رداً على أي تطور يكسر العلاقة بين العراق وأمريكا كدولتين لهما مصالح وتفاهمات، حتى لو لم يكن هناك تخويل بيد الرئيس في هكذا قرار بخوض عمليات حربية واسعة ومستمرة تحت بند الدفاع عن النفس ومصالح الأمن القومي الأمريكي.
إن مشروع قرار جريج ستيوب سيقضي، بعد إقراره المزمع في الكونجرس، على إرهاب المليشيات التابعة للنظام الإيراني وقيامها في عدد من الدول العربية ببث الفتن وسفك الدماء، خاصة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وسيقضي على عزم طهران إعادة ترتيب مليشياتها في العراق وسوريا، ويبدو أن الآتي أعظم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة