مع قرب استئناف مفاوضات الاتفاق النووي، يُطرح تساؤل حول ما يمكن أن يطرأ من تغيير على التعامل الأمريكي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
فقد خرج "رئيسي" بخطاب شعبوي ومباشر برفض ما يتعلق بالقضايا الصاروخية الإقليمية معتبرا إياها "غير قابلة للتفاوض"، ما يؤكد أن إيران ستستمر في تشددها ومسعاها إلى البقاء في دائرة المفاوضات، رافضة في الوقت نفسه التجاوب مع الطرح الأوروبي والأمريكي برفع العقوبات والسماح بإعادة تقديم إيران للاقتصاد العالمي من جديد، وهو الأمر الذي بدأته إيران في المفاوضات، بل قبل الدخول في استحقاق فيينا، ما يعيد المفاوضات هناك إلى المربع صفر حال تمسك "رئيسي" بموقفه، وتأكيده أن أي اجتماع وأي تفاوض يجب أن ينتهي إلى نتائج حقيقية.
ترى الإدارة الأمريكية أن التفاوض المفتوح والمستمر دون ضوابط لن يدوم في ظل الإجراءات الأحادية، التي تقدم عليها إيران، سواء الخاصة بالالتزام بالاتفاق الراهن، أو التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد خاطب "رئيسي" الأوروبيين بنفس المستوى من التحذير، وطالبهم بـ"ضرورة القيام بدور ما بدلا من الاستمرار في اتباع النهج الأمريكي".
ولا شك أن رفض "رئيسي" لقاء "بايدن" يذكّر بما كان يدعو إليه الرئيس الأمريكي السابق ترامب، إذ وصل إلى حالة استجداء الحوار مع إيران، وهو ما لم يتم لاعتبارات تتعلق بالمشهد الإيراني الداخلي، في ظل توزيع أدوار محكمة وقائمة، لن تتغير مع الرئيس الإيراني في الفترة المقبلة، ما قد ينذر بوقف المفاوضات، أو على الأقل تعثرها في المدى القصير، وذلك حال عدم تضمنها القضايا الصاروخية والإقليمية، والتي اعتبرها "رئيسي" خارج أي تفاوض.
وبرغم كل ما يجري، فإن ثمة نقاطا مهمة يجب الارتكان إليها، وهي:
أن "رئيسي" لن يكون مطلق السراح في تعاملاته، وبصرف النظر عن تعيين وزير خارجية جديد، أو الإبقاء على جواد ظريف، فإن قرارات السياسة الخارجية الإيرانية لن تكون في يد "رئيسي"، بل في يد "خامنئي" بالأساس، وليس أي مسؤول آخر، والمعلوم أن قرارات المؤسسة النووية بكل قضاياها تبقى خارج إطار مراكز صنع القرار المعتادة، وبالتالي فإن ما يقوله الرئيس الإيراني أو مسؤولون آخرون يُفهم في سياق سياسي وإعلامي ليس أكثر، وأن ما يجري وراء الكواليس شيء آخر، على الأقل في الفترة الأولى لحكم "رئيسي".
وفي ظل مخاوف حقيقية من انهيار الموقف التفاوضي الراهن، وأن تكون الجولة المقبلة من المفاوضات هي الأخيرة في ظل رهانات قد تطول الجميع، وحال تمسك إيران بعدم التقيد بأي التزامات، سيكون أمام الإدارة الأمريكية العودة مجددا إلى التصعيد، أو وقف المفاوضات تكتيكيا إلى حين اتضاح الرؤية بالكامل، خاصة أن إسرائيل قد دخلت على الخط، وبصورة مباشرة، وهو ما برز في زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، آفيف كوخافي، إلى واشنطن لوضع الضوابط الرئيسية في التعامل مع الإدارة الأمريكية حال الإقدام على توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران دون وضع التزامات حقيقية عليها.
وفي ظل تقييمات إسرائيلية صادرة من الاستخبارات العسكرية "أمان" ترى أن الاتفاق الجديد بما تضمنه من أفكار وبنود "أسوأ بكثير من الاتفاق السابق الموقع عام 2015"، لأنه "يتنازل فعليا عن قسم آخر من العقوبات"، ولأنه "يقر بتقبل ما فعلته إيران، التي ضمنت بذلك تخصيب اليورانيوم، وتفعيل الطرادات المركزية"، ووضعت "ضمانات ملزمة على الجانب الأمريكي بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي مثلما فعل ترامب".
كما تطالب إيران في الاتفاق الجديد بالتخلي عن كل العقوبات التي فُرضت عليها، أو أعيد فرضها، أو أعيدت تحت اسم آخر في ظل إدارة "ترامب"، والمطلب الإيراني الأخير ذاك لا ينسجم مع أي اتفاق تريد الولايات المتحدة أن يتيح لها فرض عقوبات لأسباب بعيدة عن الملف النووي، سواء المتعلقة بالإرهاب، أو بانتهاكات حقوق الإنسان، والتدخل في الانتخابات الأمريكية، وغيرها.
فيما يرى البعض أن إدارة ترامب قامت ببناء منظومة عقوبات من أجل تعقيد مهمة الإدارة الأمريكية الراهنة، وذلك في ظل الهواجس السياسية المطروحة بالنسبة للرئيس بايدن، إذ يندد العديد من المعارضين لمفاوضات فيينا، خاصة في صفوف الجمهوريين، منذ الآن، بما يصفونه "استسلاما" من جانب الولايات المتحدة لإيران، وسيحتجون على رفع العقوبات، لا سيما غير المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وبالتالي يسقط المخطط، الذي تم تداوله من أن إدارة بايدن ترغب في إبرام صفقة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني في غضون الأسابيع المقبلة، أي قبل تولي الرئيس الإيراني الجديد مهامه.
ومع اعتزام واشنطن وطهران عقد جولة سابعة من المفاوضات النووية في فيينا، وفي ضوء وجود خلافات عميقة بين الطرفين، قد تدفع إلى عدم تجاوزها في المستقبل من الولايات المتحدة، سيبقى المشهد بأكمله مرتبطا باستمرار الخلافات بين أمريكا وإيران، والتي يتعين أن يتجاوزها البلدان خلال المحادثات بشأن العودة للامتثال لاتفاق 2015، وإذا لم يتسنَّ تجاوزها في المستقبل المنظور، فستضطر واشنطن، ومن ورائها الدول الأوروبية، إلى إعادة النظر في النهج الذي تتبعه، فالوقت ليس عاملاً إيجابيًا في المحادثات مع إيران حول الاتفاق النووي، والمفاوضات لن تظل قائمة لأجل غير مسمى.
تبقى الإشارة إلى موقف بعض الدول الأوروبية، إذ لوّح فرانك ريستر، الوزير المفوض لدى الخارجية الفرنسية، باتخاذ بلاده قرارات "صعبة" إذا لم تحقق محادثات فيينا نتائج في وقت قريب، وأن الوقت بهذا الشأن ليس في مصلحة أيٍ من الأطراف المعنية بملف الاتفاق النووي مع إيران.
كما أشار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى أن هناك فرصا جيدة للتوصل في المستقبل القريب إلى اتفاق نووي، رغم النتيجة التي آلت إليها انتخابات الرئاسة في إيران، وأن المفاوضات في فيينا "ليست سهلة"، متحدثا عن قضايا تقنية عدة تحتاج إلى حل.
في مقابل هذا، أكد سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن مفاوضات فيينا بلغت مرحلتها النهائية تقريبا، وأن العملية قد تستغرق أسابيع لا شهورا، وأنه إذا تم اتخاذ جميع القرارات اللازمة، وتحقيق قفزة نهائية في فيينا، فسيكون من الممكن تقنيا إنهاء كل شيء في غضون أيام.
وبالتالي، فإن كل الخيارات واردة وكل السيناريوهات محتملة، ليبقى القرار الحاكم للتوصل إلى اتفاق حول نووي إيران مرتبطا بالأساس بموقف كل من واشنطن وطهران، وليس أي عاصمة أوروبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة