كثيرا ما تشبه الحروب السيبرانية تلك الحروب الحقيقية في ساحات المعارك، من ناحية تنظيم الصفوف والخسائر والنتائج.
فالحروب السيبرانية تتيح الاستيلاء على المدن الذكية والمنظومات الإلكترونية والبيانات، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة، والحرب الإلكترونية ليست مجرد اختراق حواسيب، بل سيطرة على بنية تحتية كاملة، وتأثير عميق في المجتمعين الافتراضي أو الحقيقي.
الهجمات السيبرانية على البنى التحتية المدنية سببت قلقاً كبيراً، حيث يمكنها استهداف مجال الأسلحة النووية، وهو أمر أكثر جدية لم تتحدث عن خطورته سوى مجموعة قليلة من الخبراء.
ويشير جيمس أكتون، مدير برنامج السياسة النووية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، إلى أن المعلومات حول الهجمات السيبرانية تندرج تحت بند "السرية المطلقة"، فهي لا تركز على الأسلحة النووية نفسها، بل على أنظمة القيادة والتحكم المحيطة بها، وهذه الأنظمة هي كل شيء، فهي ضرورية لتشغيل السلاح النووي، وهذه تعتبر أكثر البنى التحتية حساسية في العالم، لدرجة أن الولايات المتحدة أوضحت أنها "سترد بضربة نووية على أي استهداف لتلك البنية".
ومع اجتماع الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جينيف، انتعشت الآمال بأنهما ربما يخاطبان هذه الاحتمالات الخطيرة تحت شعار "الاستقرار الاستراتيجي"، فبالإمكان وضع ضمانات للحد من استخدام أي هجوم نووي، مثل تبنّي قاعدة تقول إنه حال إطلاق هجوم سيبراني على نظام قيادة وتحكم نووي، يجب أن يوقِّع على الهجوم وزير الدفاع أو رئيس الدولة، بغية وجود ضمانات ألا تتحول مثل هذه الهجمات إلى روتين.
ويرى الرئيس بايدن أنه لا بد من سبل للرد على من يشتبه بأنهم "متسللون روس" اخترقوا نحو ست وكالات حكومية أمريكية واطلعوا على بيانات آلاف الشركات، لكن ما يمكن تأكيده أن الوضع برمته لا يقتصر على العقوبات، وإنما يمتد إلى أشياء يمكن للإدارة الأمريكية القيام بها لتحجيم قدرة الأطراف الأخرى على شن مثل هذه الهجمات، فيما لا يزال المسؤولون والمتخصصون في أمن الإنترنت في جميع أنحاء الولايات المتحدة يحاولون التأكد من نطاق حملات الاختراقات لعدد من الوكالات الحكومية.
وفي ميدان الحرب الإلكترونية تتجه جهود روسيا إلى تطوير ونشر أنظمة أرضية مسلحة ذاتية التشغيل، فيما تُظهر الولايات المتحدة بعض التردّد، خاصة عندما يتعلّق الأمر بكيفية استخدام هذه الأسلحة، وحتى مع قيام الجيش الأمريكي بتطوير العربات العسكرية ذاتية التشغيل، ونشر مثل هذه الأنظمة في ساحة المعركة، من المتوقع أن تكون تلك العملية بطيئة وحذرة، والسياسة الرئيسية التي توجه مثل هذه التطورات يمكن الاطلاع عليها في استراتيجية الأنظمة الروبوتية والآلية، التي صدرت في فبراير 2017م من قيادة التدريب في الجيش الأمريكي.
ويدرس الاستراتيجيون وصناع القرار العسكريون الروس أيضاً دور الذكاء الاصطناعي في الحرب الإلكترونية، فقد أعلن الرئيس الروسي بوتين أن مَن يهيمن على مجال الذكاء الاصطناعي سوف يحكم العالم، في حين يمكن أن يستخدم الجيش الروسي قريباً شكلاً من أشكال الذكاء الاصطناعي ليحل محل الإنسان في المعركة.
وقد يكون إعلان الرئيس الروسي شكّل حافزاً هاماً للمجمع العسكري الصناعي في بلاده للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وبدء مداولات جادة بشأن دوره العسكري، ولا تزال القدرات الروسية بالكاد تقف على رجليها في تطبيقات الأنظمة ذاتية التشغيل والمستقلة.
وتهيمن الولايات المتحدة على كثير من التكنولوجيات والنظم المتقدمة، ولكن روسيا، وغيرها، تقوم باللحاق بالركب سريعا وبطرقٍ مختلفة.
إذاً، يجب على المؤسسة العسكرية والسياسية الأمريكية إعادة تقييم الطريقة التي تقيس بها التهديدات، وأن تطوّر وتكتسب تكنولوجيات جديدة وواعدة، وأن تضيف المرونة إلى تصور وصياغة كيف يمكن للقوات الأمريكية أن تقاتل في المستقبل، وعلى وجه الخصوص ينبغي أن تعزز الجهود الرامية إلى تحسين أنظمة الاستطلاع والمراقبة، والأنظمة المضادة للطائرات دون طيار، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيات الحرب الإلكترونية لضمان التفوق في ساحة المعركة.
وبات البند الخامس من ميثاق حلف شمال الأطلسي يشمل تكنولوجيات هذه الحرب، ويحذر الخبراء من أن الأسوأ لا يزال على الطريق.
لقد بدأت حرب سيبرانية عالمية، وربما لن تنتهي، والحقيقة، التي يجب أن تواجهها الحكومات والجيوش وأجهزة المخابرات والشركات والأفراد في كل مكان، الآن، تكمن في قلب الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة