ما يمتلكه اليمن من أهمية استراتيجية وموقع وثروات وشواطئ وممرات وموانئ وجُزُر وغيرها، يجعله دائمًا محل أنظار القوى الدولية الكبرى.
فهو يمثل العمق العربي الخليجي، وهو الحديقة الخلفية لأمن واستقرار الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، كما أن اليمن يشرف على مضيق "باب المندب"، ذي الأهمية الاستراتيجية والعسكرية والأمنية الحساسة، حيث يمر منه أكثر من 7% من تجارة النفط في العالم، ونحو 10% من تجارة الغاز الطبيعي المُسال، بالإضافة إلى كونه بوابة عبور السفن من قناة السويس، والتي تمر إلى أوروبا.
هذه الأهمية هي التي تجعل الوضع في اليمن محل غموض وتشويش من جانب دول لها مصالح وأجندات، عبر توظيف الإعلام، وبخاصة في الغرب، لنقل صورة غير واقعية، وذلك تحقيق أهدافها بالتأثير على الرأي العام وصانع القرار في الدول الأجنبية، والتغطية على جرائم الانقلاب الحوثي وإيران بتحويل اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة مع السعودية خاصة، ودول الخليج والدول العربية عامة.
من هنا نجد أن المجتمع الدولي لم يعد يرى الصراع في اليمن صراعا بين "شرعية" و"انقلاب"، بل صار الصراع اليمني بالنسبة له صراعا بين أطراف متساوية في الشرعية قدر تساويها في الانتهاكات، كأنهم بذلك لا يعترفون بالأمر الواقع، بل يدفعون بوهم يريدونه، وإلا لما وضعوا خطوطا حمراء على التحالف والحكومة الشرعية على طريق تحريرهما للأراضي اليمنية.
أعتقد أن ما صرح به المبعوث الأمريكي، باعتبار الحوثيين "طرفًا شرعيًا في اليمن"، مجرد جس نبض وبالون اختبار وقياس للرأي العام اليمني والعربي لمدى قبول ذلك وإمكانية تمريره بسهولة، ما جعل الخارجية الأمريكية تصدر بيانا توضيحيا حاولت فيه التبرير، لكنه لم يكن بالقوة والصراحة والشفافية، ليأتي مكملا للمراوغة المعتادة وضمن الرضوخ والتماهي الأمريكي مع إيران ومليشياتها، ومكملا لما يحدث في محادثات فيينا ومفاوضات الاتفاق النووي.
فبين إلغاء تصنيف "الحوثيين" كمنظمة إرهابية، وتصريحات المبعوث الأمريكي، لا يوجد مجال للشك بأن الدول الكبرى تريد توظيف اليمن في سياق مفاوضاتها النووية، وأنّ التحوّل الجديد في خطاب الدبلوماسية الأمريكية تجاه "الحوثيين"، المدعومين من إيران، في اليمن، ليس إلا امتدادا طبيعيا لنهج الرئيس "بايدن"، الذي دُشِّن برفع التصنيف "الإرهابي" عن "الحوثي".
الشرعية في اليمن تمتلك كثيراً من الأوراق، منها: اعتراف المجتمع الدولي بها عبر قرارات مجلس الأمن، لتحظى بالشرعية الدستورية اليمنية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، كما تحظى بتأييد ودعم دول مجلس التعاون الخليجي، ومساندة قوات التحالف العربي.
وتكمن عناصر قوة الشرعية أيضاً في رفض الغالبية العظمى من اليمنيين للانقلاب الحوثي، ورفضهم تدخل إيران في شؤونهم، وتمسكهم بهويتهم وثقافتهم العربية، ورفضهم التغيير الديني الإجباري، الذي تفرضه أقلية كمليشيا الحوثي.
لكن ما الذي يجعل هذه الحكومة الشرعية في اليمن تبدو كأنها خارج حسابات المجتمع الدولي والدول الكبرى والتقليل من شأنها وتأثيرها؟
ذلك يعود لبقاء القيادة والحكومة الشرعية خارج اليمن، وعدم استطاعتها إدارة الأزمة على الأرض في بعض المناطق المحررة، مما جعلها تبدو عاجزة عن ممارسة السلطة، وهذا أثر سلباً على ثقة الشعب اليمني في حكومته، كما أن إطالة أمد الانقلاب الحوثي جعل المجتمع الدولي يتكيف إلى حد ما مع الوضع القائم.
ربما يجب على الشرعية اليمنية أن تتحرك على المستوى الدولي في مواجهة محاولات فرض "الحوثيين" كأمر واقع في مستقبل اليمن، كذلك يجب النظر دوليا في أسلوب التعاطي مع "الحوثي" وتبني نهج الضغط السياسي والعسكري وتصنيفها ضمن قوائم الإرهاب ومحاكمة قياداتها على ما صُنّف دوليا كجرائم حرب، ودفعها للانخراط بجدية في جهود التهدئة وإحلال السلام، ووضع حد للمعاناة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين.
فأي شرعنة للمليشيات تعني الإقرار بالعنف والقوة المسلحة وجعلها طريقا وآلية للوصول إلى السلطة وتحقيق مكاسب سياسية، باعتبارها تحفيزاً للتنظيمات الإرهابية لمحاولة فرض أمر واقع على الأرض، ومؤشراً لعجز المجتمع الدولي عن القيام بمسؤولياته في تنفيذ القرارات الدولية وحماية الأمن والسلم الدوليين.
على العالم أن يعي تماما أن الحوثيين لو كانوا يهتمون بمصالح اليمن أرضاً وشعباً ويحترمون الجوار والمصالح الاقتصادية المشتركة مع دول الجوار، لبادرت تلك الدول بالتعامل الإيجابي معهم، لكن انحياز "الحوثي" إلى الأعمال الإرهابية والقرصنة هو لب المشكلة، تماما كما هو حال "حزب الله" و"الإخوان".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة