مع المناقشات المتصاعدة لمآلات ائتلاف حكومة رئيس الوزراء بعد موافقة حركة "حماس" على خطة الرئيس الأمريكي بشأن إيقاف حرب غزة والتي أيدتها أغلب دول العالم، تذكرت الندوة القصيرة -لكنها في غاية الأهمية- التي عقدها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، قبل أسبوع.
تلك الندوة كانت حول مآلات إيران الداخلية والخارجية في زمن ما بعد حرب "الـ12 يوما" التي شنتها إسرائيل عليها في يونيو/حزيران الماضي.
إن أهمية مثل هذه الندوات القصيرة، أنها تعالج قضية أو أزمة محددة وما زالت أحداثها متفاعلة وتقدم فهماً عميقاً للرأي العام حول ما يحدث.
كحالة عامة، فإن الذي تعاني منه إيران في هذه اللحظة تعاني منه حكومة نتنياهو. النظام الإيراني يواجه ضغوطاً داخلية من الإصلاحيين وكذلك الشعب من أجل التركيز أكثر على الداخل الإيراني، وفي الخارج هناك ضغوط من المجتمع الدولي بشأن فتح مفاعلاته النووية للتفتيش وبسبب العقوبات الاقتصادية التي تم إعادة تطبيقها من مجلس الأمن مع بداية هذا الشهر والتي تعرف بـ"سناب باك".
بالمقارنة نجد أن الحكومة الائتلافية في إسرائيل تواجه صراعاً بين مؤيد لخطة ترمب وبين رافض لها، حيث يجد بنيامين نتياهو نفسه في حصار بين ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومواجهة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير الرافضين للخطة، بالإضافة إلى المعارضة الإسرائيلية بقيادة يائير لابيد، فضلا عن الرأي العام والمجتمع الدولي أيضاً.
تصدير الأزمة إلى الخارج هي أحد السيناريوهات الكلاسيكية التي يستخدمها الطرفان في إشغال الرأي العام الداخلي، وبما أن أحد أهم قواعد الاشتباك التاريخية المتعارف عليها هي الهجوم المباشر للخصم، فإن احتمال شن أحد طرفي الصراع هجوماً عسكرياً خاصة إسرائيل من باب أن التهديد النووي الإيراني ما يزال قائما أمر وارد، بل إن الهجوم المباشر على إيران مسألة قائمة في ظل غياب الأذرع الأمنية لها مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس حالياً، وبالتالي فلا بد من إعادة تعريف العدو بالنسبة للطرفين.
استراتيجياً، تعيش المنطقة لحظة دقيقة وحساسة تكاد تكون واحدة من أخطر اللحظات على مدى تاريخها القريب، حيث تتقاطع مآلات الداخل لأخطر قوتين في المنطقة هما إيران وإسرائيل مع التداعيات المحتملة على الإقليم المجاور لهما.
وتزداد مآلات المنطقة غموضاً في ظل غياب أي أفق يمكن من خلاله التوقع للقرارات العقلانية التي يمكن أن يتخذها أي من طرفي الصراع الخافت في إيران وإسرائيل واحتمال انزلاق المنطقة في مواجهة عسكرية، لأن الأمور تتطور بسرعة، الأمر الذي يستدعي مراجعة قيادة البلدين للحسابات الاستراتيجية قبل تكرار الحرب.
إن القلق الذي يسيطر على المراقبين لتطورات يفرض حاجة لدى الرأي العام العربي والخليجي تحديداً لمعرفة بشكل أعمق عن التداعيات بعد التطورات الحاصلة في المنطقة خاصة منذ بدء أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعه من تطورات وصلت لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا الذي كان يعتبر الجسر الاستراتيجي للمشروع الإيراني في المنطقة، وإن كان لدى إيران القدرة على إعادة التموضع الدبلوماسي في المنطقة بعد تلك الضربات.
هذه الحاجة المعرفية زادت بعد أن توحدت الإرادة السياسية العالمية لوضع حد للغطرسة الإسرائيلية في المنطقة التي تقودها حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو لأن أي صراع حالياً (لا سمح الله) سيختلف عن الفترات السابقة.
ومع أن إسرائيل وإيران هما الوحيدتان اللتان ستقرران نوع المآلات، لأن لديهما الأوراق التي تقرر مصيرهما، لكن عليهما إدراك أن أي كارثة يمكن أن يتسبب فيها أحد الطرفين سيدفع ثمنها كل من في هذه المنطقة، وكذلك أي خير واستقرار سينعكس على الجميع. إن المنطقة اليوم تمر بمرحلة حرجة تحتاج من الجميع ممارسة الحكمة السياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة