الشعب عندما يطالب بنظام يقوم على أساس احترام الهوية الوطنية، يُصبح كله على باطل، ويجوز على هذا الأساس سحقه.
كان من الطبيعي أن ينتهي الأمر في لبنان بعملية قتل، ولسوف تتبعها أعمال قتل أخرى، هذا هو المسار، وهو مسار عنيد؛ لأن من يقفون وراءه يدركون أن مشروعهم برمته يقف على حافة هاوية، وأنهم سيخرجون من التاريخ يكللهم عار ما فعلوا.
الاعتقاد القائل إن سطوة المليشيات في لبنان تختلف عن سطوتها في العراق يتبدد، قد لا يكفي قتيل واحد للبرهان على وجود منهج، كما هو حال أعمال القتل في العراق، إلا أن الدوافع المنهجية هي نفسها، وهذه الدوافع التي تحرك حزب الله هي ذاتها الدوافع التي تحرك مليشيات الأحزاب الطائفية في العراق، وخلف جميعها يوجد قاسم سليماني.
لماذا خيار القتل والسحق العنيد؟ ألا توجد سبل أخرى للبقاء؟ ألا يمكن للسياسة أن تسفر عن وضع يسمح للجميع بأن يحظوا بالمكان أو بالدور اللائق بهم؟
المطلوب كسر الحراك الشعبي المناهض للمشروع الطائفي الإيراني، وسواء تم توظيف الجيش اللبناني لهذه الغاية لكي يتصرف كدرع لمليشيات حزب الله، أو تصرفت المليشيات مباشرة في الاعتداء على المتظاهرين؛ فإن الهدف واحد.
الشعب عندما يطالب بنظام يقوم على أساس احترام الهوية الوطنية، يُصبح كله على باطل، ويجوز على هذا الأساس سحقه، ولن تهم التكاليف سواء كانت مئات القتلى وآلاف الجرحى الذين سقطوا في العراق، وقد أكدت الأحزاب الطائفية من خلال سفك الدماء أنه ليس هناك شيء يقف في وجهها حتى ولو تمت إبادة الملايين، وهذا هو حصرا، ما دفعهم إليه قاسم سليماني.
وهذا السلوك ليس جديدا على أي حال، لقد أقنعوا السلطات في سوريا، بأنها لو أرادت أن تحصل على دعم إيران فإنها يجب أن تسحق الجميع، حتى تحول البلد إلى ما نراه من دمار شامل، أسفر عن أكثر من نصف مليون قتيل وأكثر من 10 ملايين مهجر، وخراب يكاد يوازي إلقاء عشر قنابل نووية.
الشيء نفسه تكرر في إيران، فعندما اندلعت الاحتجاجات ضد سلطة الولي الفقيه، وضد التزوير المنهجي لآليات الانتخاب، اندفعت مليشيات النظام لتسحق المحتجين، وألقت بعشرات الآلاف في غياهب السجون، وأعدمت ما لا سبيل لحصره منهم، هذا هو المنهج، إنه خط الدفاع الأخير، ولن يتورع حزب الله في لبنان، كما لن تتورع كل المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني عن الأخذ به إذا ما أدركت أنها النهاية.
ولكن، لماذا خيار القتل والسحق العنيد؟ ألا توجد سبل أخرى للبقاء؟ ألا يمكن للسياسة أن تسفر عن وضع يسمح للجميع بأن يحظوا بالمكان أو بالدور اللائق بهم؟
الجواب البسيط، لا؛ لأن نظاما سياسيا قائما على أسس الهوية الوطنية، سوف يجرد الأحزاب والجماعات الطائفية ليس من "حصتها" المسبقة فحسب، ولكنه سوف يعري غطاءها الدعوي، ويمزق أواصر التمييز على أساس طائفي، ويبدد المرجعية الثقافية البليدة التي تستند إليها، وهذا مخيف.
لقد أرست تلك المرجعية، كغيرها من مرجعيات "الإسلام السياسي" الأخرى، أساسا لنظام يقوم على تقاسم الحصص، وهو نظام فساد في طبيعته ومجراه، كما في أصله، وإذ يفصل هذا النظام بين أبناء الوطن الواحد على أساس هويات بديلة للهوية الوطنية؛ فإنه يريد في الواقع أن يكون نظام تمييز واحتقار وتكفير للآخرين، إنه نظام يقول: "نحن على حق، كائنا ما نفعل، والآخرون على باطل.. نحن لنا القدح المُعلّى، ولهم السراب".
وهو نظام مليشيات تتقاسم بدورها حصصا وامتيازات، وهو نظام ولاءات خارجية لا يُخفي حسن نصر الله طبيعتها أصلا، كما لا تخفي مثله جماعات "الإسلام السياسي" الأخرى، لتقول إن بينها وبين القيم الوطنية بحرا عريضا.
حتى لو انتهى الأمر إلى الخراب، ودفع بالبلاد إلى هاوية الإفلاس؛ فإن نظام الحصص والتمايزات الطائفية يجب أن يبقى، حتى ولو صار القتيل الواحد ألفا، والألف عشرة آلاف.
وهذا هو بالضبط ما تقوله مليشيات الحرس الثوري في العراق، وهو ما قالته من قبل في سوريا، وستظل تقوله في أي مكان، بما في ذلك إيران نفسها.
ما يخيفهم أكثر، ليس فقدان السلطة، ولا حتى ضياع الحصص أو فرص الفساد، ما يخيفهم هو ما صنعوا من الخراب، وهو حصيلة عار، تفضحها الإحصاءات، بمقدار ما يفضحها القتل الحرام، وهم يخافونه، رغم أنه من صنعهم؛ لأنه سيظل شاهدا عليهم إلى يوم الدين، هذا هو المشروع، وهذا شاهده، ودم الأبرياء هو الفيصل الذي لا يملكون من البدائل سواه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة