الدعاية المضللة الإيرانية جزء بسيط من استراتيجية كبرى يتم العمل من خلالها على قلب انطباعات الرأي العام في أي دولة.
ليست العقوبات الأمريكية وحدها من يحاصر النظام الإيراني، فعمالقة الإنترنت دخلوا على الخط، لإيقاف المحاولات غير القانونية التي تقوم بها طهران من أجل التأثير على مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم، بعد أن كشفت «رويترز» أمس عن شبكة إيرانية مترامية الأطراف من المواقع الإلكترونية المجهولة الهوية وحسابات على الشبكات الاجتماعية بـ11 لغة مختلفة، حيث تنشر الشبكة معلوماتها بعدة لغات تشمل الإنجليزية والفرنسية والعربية والفارسية والأردية والبشتونية والروسية والهندية والأذربيجانية والتركية والإسبانية، كما تم الكشف عن عشرة مواقع، إضافة إلى مئات الحسابات الوهمية التابعة لإيران على مواقع مختلفة مثل «يوتيوب» و«أنستقرام» و«فيسبوك» و«تويتر»، وتستخدم منظمة الاتحاد العالمي للإعلام الافتراضي IUVM الإيرانية شبكتها من المواقع، بما في ذلك «يوتيوب»، وخدمة الأخبار العاجلة، ومتجر تطبيقات الهاتف المحمول، وشبكة للصور الساخرة، حيث تعمل الشبكة على توزيع المعلومات من التلفزيون الإيراني ووكالة الأنباء الحكومية «فارس» وشبكة تلفزيون «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، وتذهب هذه المعلومات إلى مواقع وهمية تبدو وكأنها مواقع إخبارية موثوقة من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، ومن ثم تنتشر هذه المواقع أخبارها عبر الشبكة دون معرفة القراء لمصدرها وما إذا كانت المعلومات صحيحة، ويأتي الكشف عن هذه الشبكة في الوقت الذي قالت شركة «فيسبوك» وشركات أخرى إن كثيرا من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها الإلكترونية جزء من مشروع إيراني للتأثير سراً على الرأي العام في البلدان الأخرى.
دون قوانين دولية صارمة لمكافحة التضليل الإعلامي القادم من أدغال الإنترنت فسيكون من الاستحالة ضبط شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت رأس حربة يتناقل خلالها مليارات البشر من الناس لمعلومات أقل ما يقال عنها بأنها كاذبة
الدعاية المضللة الإيرانية جزء بسيط من استراتيجية كبرى يتم العمل من خلالها على قلب انطباعات الرأي العام في أي دولة وتوجيهه، حيث يبدو وكأنه صادر من الداخل، بينما حجم التأثير السلبي القادم من الخارج مهول، هذه الاستراتيجية لم تستغل فقط الفوضى الكبرى التي تعيشها وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما أيضاً المواقع الموثوقة على شبكة الإنترنت، وصولاً لإعطاء مصداقية كبرى للمعلومات الكاذبة عند ترويجها على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما أفضى إلى إعلان عدد من شركات التكنولوجيا الحرب على الحكومة الإيرانية، وذلك بعد اتهامها بالوقوف خلف عمليات «الدعايات المضللة» عبر شبكة الإنترنت، التي استهدفت المستخدمين في كثير من دول العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، وقد أعلنت شركتا «فيسبوك» و«تويتر» أنهما قامتا بحذف مئات الحسابات تقع مصادر أغلبها في إيران، عندما تبين أنها تقوم «بسلوك مضلل» منسق، إثر حصولها على معلومات من شركة «فاير آي» للأمن الإلكتروني، التي أكدت أن الحسابات تروج لدعاية إيرانية بما في ذلك مناقشة «موضوعات مناهضة لدول عدة» في الشرق الأوسط على رأسها المملكة العربية السعودية، ثم أعلنت شركة «جوجل» عن إزالة 39 قناة على «يوتيوب» مرتبطة بإذاعة «جمهورية إيران» التي تديرها الدولة بشكل مباشر.
دون قوانين دولية صارمة لمكافحة التضليل الإعلامي القادم من أدغال الإنترنت فسيكون من الاستحالة ضبط شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت رأس حربة يتناقل خلالها مليارات البشر من الناس لمعلومات أقل ما يقال عنها بأنها كاذبة، ودون آليات واضحة من قبل عمالقة الإنترنت: «فيسبوك» و«جوجل» و«تويتر»، تساعد على تسريع إغلاق الحسابات التي تمارس التضليل ونشر التطرف والأخبار المختلقة، فسيستمر التزييف على نطاق واسع من تضليل وتزييف وخداع، وللأسف فإن الدعاية المضللة لا يتم اكتشافها إلا بعد أن تكون قد زيفت الواقع ونشرت آلاف الأخبار الكاذبة بين مليارات البشر.
بقدر ما توفره الشبكة العنكبوتية من خدمات إيجابية عظيمة لأكثر من 3 مليارات شخص في دول العالم فإنها في الوقت نفسه أصبحت مصدر خطر على مستخدمي الإنترنت، نظراً لاستخدامها في أغراض بعيدة عن الأهداف التي كان يصبو لها مخترع (الويب) البريطاني تيم بيرنرز لي الذي يقول إنه «بات قلقاً» على اختراعه بعد 29 عاماً على تقديمه المقترح الأصلي لـ«الويب» الذي يحتاج إليه العالم يومياً.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة