خامنئي والمرشد المقبل.. تحديات الانتقال في إيران
في إيران، يمسك المرشد بزمام القيادة السياسية والاستراتيجية، ويحدد القرارات الرئيسية، ويصيغ مستقبل البلاد أيديولوجيا واقتصاديا.
إلا أن "رحلة المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو في الخامسة والثمانين من عمره، تقترب من نهايتها، وتصبح مسألة من سيخلفه أكثر إلحاحا"، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ففي مارس/آذار، انتخب الإيرانيون مجلساً جديداً للخبراء، وهو عبارة عن دائرة تضم حوالي 90 من كبار رجال الدين الذين تشمل مهامهم تعيين مرشد أعلى جديدا.
ويتوقع كثر أن يكون هذا المجلس، خلال فترة ولايته الممتدة لثماني سنوات، هو المكلف باتخاذ هذا القرار المصيري.
وأياً كان الشخص الذي سيخلف خامنئي، سيصبح الحاكم الأعلى في إيران في مسائل السياسة الداخلية والخارجية والدفاع، ولن يرسم مسار الإسلام السياسي في الأراضي الإيرانية فحسب، بل أيضاً مستقبل النظام.
سلطة المرشد
ووفق الصحيفة، أبرزت الحرب بين إسرائيل وحماس وتداعياتها الإقليمية، سلطة المرشد الأعلى كصانع القرار النهائي: إذ ظهر استعداده لاختبار حدود ما يمكن أن تتسامح معه إسرائيل والولايات المتحدة في الضربة المباشرة غير المسبوقة التي وجهتها إيران لأهداف إسرائيلية الشهر الماضي.
ولم يُترك القرار المحوري بشأن الخلافة للصدفة؛ "فقد حرص أطراف السلطة في النظام على أن يكون مجلس الخبراء مكدسًا برجال الدين المتشددين، وليس المعتدلين أو الإصلاحيين، وهي الخطوة الأخيرة في مشروع استمر لسنوات لهندسة عملية انتقالية مستقرة تسمح للنظام بالاستمرار على نفس المنوال"، على حد قول "فايننشال تايمز".
ومع ذلك، "لا توجد شخصية واحدة محددة حتى الآن لملء مكان خامنئي، وتعتبر مناقشة الأمر علانية من المحرمات".
وقال مصدر إصلاحي لـ"فايننشال تايمز": ”لا توجد دائرة سياسية خاصة لم تطلها المناقشات حول الخلافة، ومع ذلك لا توجد شخصية تتماشى مع هذا المنصب".
وعندما يحين موعدها، ستشكل الخلافة لحظة خطر وجودي على النظام، إذ من المحتمل أن تكشف الديناميكيات الحقيقية للسلطة، مع تأكيد الحرس الثوري هيمنته على شؤون الدولة وتقلص المساحة المتاحة للجماعات السياسية والدينية الأخرى ذات النفوذ التي كانت من أعمدة الجمهورية منذ الثورة عام 1979، وفق فايننشال تايمز.
الصحيفة قالت أيضا "قد تزدهر المعارضة الشعبية التي هزت النظام في عام 2022 مرة أخرى".
مسار القيادة
وبالعودة إلى الوراء، كان "مفهوم تركيز السلطة المطلقة في يد شخص، من تدبير آية الله الخميني، مهندس الثورة التي اندلعت عام 1979"، ووضعت حدًا لتولي الملوك مسؤولية البلاد، وفق المصدر ذاته.
وبعد وفاته في عام 1989، قام مجلس خبراء القيادة على الفور بمنح خامنئي منصب المرشد الأعلى، "على الرغم من أن كبار رجال الدين لم يعتبروه في مرتبة عالية بما يكفي لتولي المنصب".
فايننشال تايمز قالت أيضا، "كان المرشد الأعلى هو من أجاز قرار إيران الأخير بإطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل رداً على هجوم إسرائيلي به على قنصليتها في سوريا"، وهي خطوة يقول محللون إنها أظهرت استعداده للمخاطرة المحسوبة من أجل وضع نفسه كقائد مستعد لمواجهة إسرائيل والمخاطرة بتدخل الولايات المتحدة.
وفي نفس الوقت، أظهرت الأزمة الأخيرة مع إسرائيل، أن "أولوية المرشد الأعلى القصوى هي ضمان بقاء الجمهورية، إذ نفّذت القوات الإيرانية الهجوم بتأنٍّ، مقلّلةً من الخسائر في الأرواح، إلى أدنى حد ممكن لتجنب الحرب المفتوحة، واختارت إيران أن تتغاضى عن الضربة الانتقامية اللاحقة من قبل إسرائيل".
على الصعيد الداخلي، "ينظر خامنئي إلى القوى السياسية على أنها إما منحازة إلى المثل العليا لثورة 1979 أو ضدها بدلًا من تسميتها بالمتشددين والإصلاحيين".
وعلى مدى العقدين الماضيين، سمح بهدوء للمحافظين بتهميش القوى المؤيدة للإصلاح، ممهدًا الطريق أمام المتشددين للهيمنة على جميع جوانب الدولة.
ويقول المحللون إن المساحة المتاحة للأفراد الذين يحملون آراءً مخالفة لآراء الزعيم الأعلى وحاشيته محدودة.
ونقلت فايننشال تايمز عن أحد المسؤولين الإصلاحيين السابقين: ”لم تعد الجمهورية مع الأفراد المؤثرين بل تفضل أولئك الذين يدينون بالولاء الشديد لأيديولوجيتها ويرددون شعارات متشددة، مهما كان وزنهم السياسي منخفضاً“.
ويضيف: ”كلما كان المناخ السياسي أكثر تشددًا، كلما كان أكثر فائدة لمن هم في السلطة“.
كان هذا واضحاً في الانتخابات الأخيرة لمجلس الخبراء، حيث صوّت الإيرانيون على اختيار كبار رجال الدين الذين سينضمون إلى هذه الهيئة التي تضم 88 مقعداً.
وفي الانتخابات، امتنعت شخصيات بارزة مؤيدة للإصلاح عن المشاركة أو واجهت الحظر. على سبيل المثال، مُنع الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني من الترشح للاحتفاظ بالمقعد الذي كان يشغله منذ عام 1999، من قبل الهيئة الدستورية التي توافق على المرشحين وهي مسؤولة فقط أمام المرشد الأعلى.
وبدلاً من ذلك، تحدى المتشددون الذين يدعون إلى فرض قيود أكثر تشددا في الداخل وموقف أكثر صرامة تجاه الغرب، المتشددين من الحرس القديم، وحصلوا على مقاعد كبيرة في طهران، مما أتاح لهم منصة لتشكيل جبهة جديدة.
ويقول محللون إن "مثل هذه التحولات في النفوذ كانت جزءًا من عملية تمهيدية دقيقة لانتقال السلطة، ولضمان التزام القائد القادم بالمسار الثابت والتمسك بإرث خامنئي".
الحرس أم "الخبراء"؟
وفي حين أن مجلس الخبراء سيبقى الكيان الرسمي المسؤول عن اختيار المرشد القادم، إلا أن المحللين يشككون فيما إذا كان مثل هذا القرار الهام سيترك فقط لمجموعة من كبار رجال الدين، الذين يبلغ العديد منهم الثمانينيات أو حتى التسعينيات من العمر.
ومن المتوقع أن يكون للمؤسسات الأخرى، بما في ذلك الحكومة والقضاء والبرلمان، نفوذها. ولكن من المتوقع أن يكون للحرس الثوري، باعتباره المؤسسة الرئيسية والأكثر قوة، أعلى مستوى من التأثير في هذه العملية، بحسب فايننشال تايمز.
وتنامى نفوذ قوات الحرس على مدى العقد الماضي، حيث ينظر إليها الكثيرون على أنها ليست فقط حارسًا لخامنئي بل أيضًا القوة الدافعة وراء أولويات النظام الاقتصادية والعسكرية.
ويمتلك الحرس الثوري الإيراني، الذي يضم حوالي 120 ألف عنصر ويدعمه ملايين الأشخاص في القوات التطوعية في إيران، شبكة واسعة في الشرق الأوسط، وفرت التدريب والمعدات لحزب الله اللبناني، وكذلك الحوثيين في اليمن والمقاتلين الشيعة العراقيين.
وأدى التوسع الكبير للحرس الثوري الإيراني في الداخل والخارج إلى تشبيه المراقبين الغربيين له بـ”دولة داخل الدولة“، أي مركزيته للسلطة التي جاءت على حساب المؤسسات التقليدية مثل رجال الدين.
ومع ذلك، يدرك المراقبون الغربيون أن المؤسسة الدينية لا تزال المصدر الرئيسي للشرعية الدينية للنظام السياسي وحكامه، ومن غير المرجح أن تخرج أي توترات بين جناحي السلطة العسكري والديني، إلى العلن.
يقول أحد المحللين: “لن يتدخل الحرس الثوري بشكل مباشر في عملية التوريث، ولن نرى رجال الدين والحرس يقفون ضد بعضهم البعض، لكن الحرس سيعمل كذراع استشاري رئيسي لمجلس الخبراء“.
فايننشال تايمز نقلت عن مسؤول سابق لم تكشف عن هويته، قوله، ”من المتوقع أن يكون [الرئيس إبراهيم] رئيسي الشخصية البارزة في مجلس الخبراء، وحتى هو ليس ذا تأثير كبير“. وأضاف: ”من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الحرس الثوري سيحافظ على المسار الحالي أو سيوجه البلاد نحو تحول كبير“.
مرشحان ولكن
وفي الدوائر الخاصة، لطالما ذُكر اسمان منذ فترة طويلة كمرشحين محتملين لتولي منصب المرشد الأعلى المقبل، وفق الصحيفة البريطانية.
الأول هو رئيسي، الذي برز من بين أسلافه بولائه غير المشروط لخامنئي، وامتناعه عن تحدي الحرس الثوري في سياساته الإقليمية خاصة خلال الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل.
وما إذا كان يُنظر إلى هذه الديناميكية على أنها نقطة ضعف أو قوة، هو موضوع نقاش في الأوساط السياسية الإيرانية. لكن الثابت هو أن كثر اعتبروا رئيسي خليفة خامنئي المختار بعد فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2021.
ولكن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من رئاسة رئيسي، شهدت البلاد نجاحات محدودة، وتعاني من تضخم تجاوز 40 في المئة، وإضعاف العملة الوطنية والفشل في إحياء الاتفاق النووي مع القوى العالمية رغم ضغوط مجتمع الأعمال.
ويرى البعض أن رئاسة البلاد كانت فخاً نصبه المتشددون المنافسون لرئيسي ودفعوا به إلى هذا المنصب في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات عديدة، مما قد يحول دون وصوله إلى منصب المرشد الأعلى.
الاسم الآخر الذي يتم الحديث عنه كخليفة محتمل هو مجتبى نجل خامنئي.
ولا يحظى هذا الرجل البالغ من العمر 54 عاماً بالكثير من الشهرة العامة لكنه كان هدفاً للمتظاهرين منذ الاضطرابات التي أعقبت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد المتشدد رئيساً في عام 2009.
وقال المتظاهرون في ذلك الوقت، إن التصويت تم تزويره ضد المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي لتمهيد الطريق أمام مجتبى لخلافة والده، وفق فايننشال تايمز.
ويدعم المطلعون داخل دائرة خامنئي، القلقون من التحولات المحتملة في مصالحهم، مجتبى، متوقعين أن قيادته لن تحدث تغييرات كبيرة.
ويشير مؤيدو نجل خامنئي إلى أنه رجل دين رفيع المستوى ومؤهل أكثر من غيره ليكون مرشحًا للمنصب الأعلى.
ويقول صحفي إيراني يراقب عن كثب أروقة السلطة، ”هناك شبكة واسعة من الأشخاص تمتد من الأعمال التجارية إلى السياسة والدوائر الدينية، وجميعهم مرتبطون بمكتب المرشد الأعلى. ماذا سيكون مستقبلهم في ظل قيادة جديدة؟"، مضيفا "هذا هو مصدر قلق كبير بالنسبة لهم".
وتابع في حديث للصحيفة البريطانية: ”من وجهة نظرهم، تمثل قيادة مجتبى الخيار الأسلم والأفضل. ويخشى هذا القطاع أن يقوم شخص مثل رئيسي بتطوير شبكته الخاصة، على غرار ما فعله خامنئي نفسه“.
معضلة الحداثة
وبينما تشير التقديرات إلى أن النظام السياسي يحظى بملايين المؤيدين فضلا عن المرتبطين بمصالح مع الوضع الراهن، إلا أن وجود قائد أعلى يحدد جميع جوانب حياتهم في نظر الشبان المتعلمين، "فكرة عفا عليها الزمن"، لكن معالجة النظام لهذه الرؤية بإصلاحات واسعة أمر مستبعد في حالة وصول أي من الشخصين المرشحين لمنصب المرشد الأعلى.
ويقول السياسي الإصلاحي عن هذه النقطة ”ما زلنا نأمل أن يبدأ خامنئي نفسه، كشخصية مثقفة قرأت آلاف الكتب والروايات والشعر وتعرف التاريخ، بإجراء إصلاحات خلال حياته“، مضيفا ”من المؤكد أن المسار الحالي غير مستدام وسيكون أكثر خطورة بعد وفاته“.
لكن أحد مستشاري رجال الأعمال يقول إنه لا يوجد أي مؤشر على تغيير الوضع الراهن طالما أن خامنئي على قيد الحياة. ”يمكن توقع أي تحول، للأفضل أو للأسوأ، بعد وفاته“.
aXA6IDE4LjIyNS45Mi42MCA= جزيرة ام اند امز