ماذا يتوقع الإيرانيون من إحياء الاتفاق النووي؟
رفع العقوبات لإنقاذ الاقتصاد المتهالك، هذا ما يأمله إيرانيون من إحياء الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى، وفق خبراء.
عقوبات صارمة لطالما زعم كبار المسؤولين في إيران، من بينهم المرشد علي خامنئي، بأنها "غير مؤثرة ويمكن تجاوزها عبر ما يسميه بالاقتصاد المقاوم"، لكن الملاحظ في الأسواق الإيرانية أن جميع السلع والمواد الغذائية وغيرها قد ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق.
ويقول رضا نصيري، الخبير الإيراني البارز في العلاقات الدولية، إن ما يتوقعه الناس للآثار المحتملة لاتفاق إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) هو "تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران مع العالم".
وأضاف نصيري، في حديث أدلى به، الخميس، لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا"، إن "إيران تقترب من الاتفاق النووي أكثر مما كانت عليه في الماضي، ولكن الجهود المكثفة والمتواصلة لإسرائيل توقف مسار إحياء الاتفاق".
ورفض نصيري ما يزعمه المسؤولون الإيرانيون من أن العقوبات الأمريكية والغربية لم تعد مؤثرة"، موضحا: "نحن نلاحظ في الأسواق ما يعانيه الشعب الإيراني من ارتفاع كبير في الأسعار وغياب السلع التي كانت تأتي من الخارج مثل الأدوية والمعدات الأخرى".
وخلص نصيري إلى أن "ما يتوقعه الإيرانيون صراحة من نص الاتفاقية النووية هو "تطبيع علاقات إيران الاقتصادية والتجارية مع العالم، وإذا حدث هذا التطبيع، فسيتم تدريجياً تكييف الأنشطة الصناعية والتجارية والاقتصادية داخل البلاد مع معايير ومتطلبات التفاعل مع اللاعبين العالميين".
وتابع: "في الواقع وخلافًا للفكرة السائدة في بعض الدوائر، فإن تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية لا يعني فقط البيع الحر للنفط، بل التطبيع يعني أنه يمكن لكل مواطن إيراني وشركة ناشئة - مع الحد الأدنى من العقبات القانونية - الانخراط في النشاط الاقتصادي على نطاق عالمي وخلق ثروة لأنفسهم وبلدهم، أعتقد أن الناس يتوقعون خلق مثل هذا الجو".
استمرار الأزمة
وفي سياق متصل، تحدث مهدي ذاكريان، الأستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في "جامعة آزاد الإسلامية للعلوم والبحوث" في طهران، عن سبب إطالة أمد المفاوضات النووية.
وقال إن "من أهم الأسباب التي جعلت مراجعة ملف خطة العمل الشاملة المشتركة طويلة وصعوبة الاتفاق، هو أن إيران وأمريكا تستفيدان من استمرار الأزمة، وفي الواقع الأطراف ليست جادة في حل المشكلة".
وبشأن دوافع إيران للتأخير في إحياء الاتفاق، أوضح ذاكريان لـ"العين الإخبارية"، أن إيران تحاول الحصول على مزيد من التنازلات من خلال إطالة أمد المفاوضات، وهو أمر خاطئ بالطبع، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب للمجتمع الإيراني، حيث يبدو حتى أصغر تأخير غير مقبول بالنسبة للإيرانيين.
ولفت إلى أن "إيران عانت من مشاكل اقتصادية كثيرة بسبب العقوبات التي فرضها دونالد ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة، والأمريكيون الذين يعتبرون أنفسهم القوة العظمى في العالم لا يرون ضرورة دعوة الجانب الإيراني للاتفاق".
وتابع: "لذلك فإن حكومة (جو) بايدن لديها نصيب أكبر في عدم اليقين بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن إيران تحتاج إلى اتفاق أكثر من الولايات المتحدة".
الخبير استعرض أيضا الأسباب الأخرى للتأخير في إحياء الاتفاق النووي، بالقول إن "المفاوضين الإيرانيين لا يعرفون كيف يديرون أجواء المفاوضات بما يتماشى مع المصالح الوطنية بسبب عدم إلمامهم بمنطق القانون الدولي وعدم فهمهم للمنطق، ونشهد احتراق الفرص أمام منافس مثل أمريكا".
وأشار إلى أن "الفريق المفاوض الإيراني منغمس في قيمه الخاصة ويتجاهل الأعراف العالمية، وأحد المعايير الدولية هو العلاقات السلمية وكذلك التعويض عن عواقب العلاقة المتوترة في الماضي، وإذا كان للجانب الإيراني توجه عقلاني يمكنه أن يطالب بجزء كبير من الأضرار التي فُرضت من الأطراف المتفاوضة وإلزامها بالتعويض عن الأضرار".
واعتبر الباحث الإيراني أن تدخل بعض المؤسسات الرسمية الإيرانية مثل الحرس الثوري والجيش والبرلمان والقضاء في مسار المفاوضات النووية سيفرض تكاليف باهظة على المصالح الإيرانية.
وبحسب الباحث، فإن "خطأ إيران هو أنها بدلاً من طلب التعويض تطلب من أمريكا ضمانًا، وبايدن محق تمامًا في قوله إنني لا أستطيع تقديم أي وعود بشأن سياسة وقرارات الحكومة المستقبلية".
وخلص إلى أنه "يمكن لطهران المطالبة بتعويض عن الأضرار من 2018 إلى 2022، ويمكن لأمريكا أن تقوم باستثمارات نفطية في إيران أو أن تعيد أصولنا المجمدة بأرباحها".
وختم بالقول إن الأمريكيين قادرون على تلبية احتياجات إيران التقنية في صناعة الغاز، ويجب أن تتعاون أمريكا أيضًا مع إيران في الشؤون الإنسانية، ويمكن أن يؤدي النقاش حول هذا النوع من التعاون إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة".
صدى الشارع
العين الإخبارية التقت عددا من الإيرانيين في شارع ولي عصر، أحد أهم الشوارع المزدحمة في طهران، بينهم حسين جعفر زاده، وهو طالب جامعي في المرحلة الثالثة.
وقال حسين إن "ما نريده من الاتفاق النووي ليس البرنامج النووي، بل نريد رفع العقوبات، فقد زادت البطالة وارتفعت معدلات الفقر".
وأضاف جعفر زاده في حديثه لمراسلة "العين الإخبارية"، وهو يتحسر على عدم خروجه إلى ألمانيا مع صديق له: "لقد أصبح مصيرنا مجهولا في هذا البلد، فليس هناك مصدر للعمل وحتى لو حصلت على عمل فالمستحقات المدفوعة لا تسد حاجاتنا لمدة 15 يوماً".
أما مرضية سبحاني، الفتاة التي تخطط للزواج بعد شهرين، وتعمل في سوق علائي لبيع الهواتف في طهران، فتقول إن "القدرة الشرائية للشعب الإيراني تراجعت وهذا ما نلمسه كوننا نعمل في سوق الهواتف".
وأضافت سبحاني: "خطيبي يعمل سائق تاكسي بعدما انسحب من عمله في مطعم بسبب تراجع المبيعات وعدم دفع المستحقات في موعدها فضلاً عن عدم تكافؤ المستحقات مع أوضاع السلع المرتفعة".
وتابعت: "ما نريده من الاتفاق النووي والمسؤولين الإيرانيين هو رفع العقوبات، فكل شيء هنا أصبح لا يطاق، وعود حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي أصبحت مجرد شعارات للانتخابات".
من جانبه، قال صاحب سوبر ماركت في شارع ولي عصر يدعى ميثم جلالي، إن "بقاء الوضع يهدد مصير البلاد، ومن المثير للسخرية أن بعض المسؤولين يطالبون الشعب بالإنجاب بينما من لديه طفل واحد لا يمكن له أن يوفر ما يحتاجه".
وأضاف جلالي "المسؤولون يعيشون في عالم غير عالمنا. هناك العديد من زملائي الذين فقدوا عملهم بسبب ارتفاع أسعار الايجار للمحال التجارية، وعندما تسأل صاحب المحل يقول لك ألا تعلم أن العملة المحلية فقدت قوتها".
aXA6IDMuMTQ3LjI4LjExMSA= جزيرة ام اند امز