«بيجر» وقاآني والنووي.. ثلاثية تربك إيران إعلامياً بعد ضرب ذراعها بلبنان
حالة من الارتباك شهدتها الساحة الإيرانية مؤخرًا حيال عدد من القضايا، التي تقاطعت بصورة أو بأخرى، مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي على ذراع طهران «القوية» في لبنان حزب الله.
فبين التأكيد تارة والنفي أخرى، وقعت الساحة الإعلامية الإيرانية سواء الرسمية أو المعارضة في شرك المعلومات الشحيحة وغياب المصادر الرسمية، فكانت رواياتها حول العديد من القضايا التي تنتهي صلاتها بإيران بصورة أو بأخرى متضاربة، مما كشف عن أزمة كبيرة لدى طهران، في التعاطي مع التطورات بالشرق الأوسط، والتي كانت ذراعها اليمنى في لبنان أسيرة لها.
فكيف ذلك؟
شرارة ذلك الارتباك انطلقت مع قضية تفجير أجهزة الاتصالات لدى حزب الله اللبناني في 27 من أيلول/سبتمبر الماضي، وما أثير عن تورط شركة إيرانية بتوريدها إلى الحزب الذي يتعرض لعقوبات أمريكية وغربية.
ورغم تضارب روايات مسؤولين إيرانيين حول تورط طهران بشراء أجهزة بيجر التي انفجرت ببعض أعضاء حزب الله، ظهر عبر التلفزيون الرسمي الباحث والمحلل السياسي المقرب من النظام مسعود أسد اللهي، ليؤكد أن «شركة إيرانية كانت تقف وراء عملية صفقة شراء أجهزة بيجر حزب الله».
وفي المقابلة التي رصدتها «العين الإخبارية»، قال أسد اللهي، إنه «كان لدى حزب الله 1000 جهاز استدعاء قبل بدء طوفان الأقصى التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد ذلك أراد الحزب عدداً من هذه الأجهزة لاستخدامها، فأبلغ الإيرانيين بضرورة شراء 5 آلاف جهاز اتصال (بيجر)، وقد تكلفت شركة إيرانية عبر وسيط من تايوان بشرائها».
وتابع: «بعدما تسلمت الشركة الإيرانية هذه الأجهزة لم تقم بفحصها، وقامت بتسليم 3 آلاف منها إلى حزب الله وبقي لدى الشركة ألفي جهاز حتى الآن».
ولقي العشرات من اللبنانيين بينهم عناصر من حزب الله مصرعهم فيما أصيب المئات بجروح بينهم السفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني الذي يرقد حالياً في مستشفى شريعتي بطهران لتلقي العلاج بعد إصابته بعينه ويده بجروح بليغة.
تصريح المحلل والباحث الإيراني جاء متوافقاً مع ما ذكره عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، أحمد بخاشيش أردستاني أواخر الشهر الماضي، والذي قال إن «إيران متورطة في شراء أجهزة بيجر الخاصة بحزب الله»، منوهاً بـ«أن أحد هذه الأجهزة كان يستخدمها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي».
ولقي رئيسي حتفه في 19 مايو/أيار الماضي جراء تحطم مروحيته شمال غرب إيران برفقة خمسة مسؤولين؛ بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.
ورغم ذلك، علقت شركة «إيرانسيل» ثاني أكبر مزود رئيسي لخدمات الاتصالات النقالة عالية الجودة في إيران، على تقارير تفيد بأنها وفرت أجهزة «بيجر» لحزب الله، قائلة: «إن هذا الموضوع مبني على أباطيل وشائعات والمقال المذكور يحمل أكاذيب ومعلومات زائفة».
غياب قاآني
أما القضية الثانية التي ارتبك فيها الإعلام الإيراني كانت حالة الغموض حول مصير قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني، والذي ترددت معلومات تارة عن مقتله وأخرى عن إصابته جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت، بالتزامن مع الحديث عن استهداف رئيس المجلس الأعلى لحزب الله هاشم صفي الدين الذي يرجح أن يكون خليفة الأمين السابق حسن نصر الله.
ففي البداية، قالت وسائل إعلام إيرانية، إن الاتصالات انقطعت مع الجنرال قاآني بعد الغارة الإسرائيلية، فيما تحدث مسؤولون في الحرس الثوري لـ«رويترز» عن إصابته بجروح.
بعدها بيوم، بث التلفزيون الرسمي الإيراني رسالة من الجنرال قاآني، قال فيها، إنه يعتذر عن الحضور عن مؤتمر اقيم بطهران بسبب أداء واجباته خارج إيران.
لكن هذه الرسالة غير المؤكدة لم تقطع الشك باليقين حول مصير الجنرال قاآني، مما دفع وسائل إعلام إيرانية للتأكيد على أن «قاآني سيتم تكريمه بوسام الشرف الإثنين المقبل من قبل المرشد علي خامنئي».
تأكيد، كان نائب فيلق القدس لشؤون العمليات، إيرج مسجدي، أشار إليه، في حديثه لوكالة أنباء «فارس نيوز»: «الكثير منا يسأل ماذا حدث للجنرال قاآني؟ وهو بصحة جيدة ويواصل عمله، ويقول البعض الإدلاء ببيان. لماذا البيان؟ ليست هناك حاجة للقيام بذلك».
ورغم الحديث عن تكريمه، إلا أن مصادر إيرانية، قالت إن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني يخضع للتحقيق بشأن تعرضه للاختراق، مشيرة إلى أنه أصيب بأزمة قلبية وجرى نقله إلى المستشفى خلال التحقيقات معه.
ورغم تلك الرواية، إلا أن وكالة أنباء «تسنيم» الذراع الإعلامية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عادت لنفيها، فقالت يوم الخميس، إن ما ذكرته تقارير دولية عن اعتقال قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني واستجوابه، غير صحيح.
واعتبرت الوكالة الأمنية الإيرانية أن «التقارير والأخبار التي تتحدث عن اعتقال الجنرال قاآني من قبل الجهات الأمنية الإيرانية والتحقيق معه كاذبة ومضحكة»، مضيفة: «والأكثر سخرية وسخافة من ذلك هو ذهاب بعض وسائل الإعلام إلى أبعد من ذلك ونشر مزاعم عن إصابة الجنرال قاآني بنوبة قلبية جراء استجوابه».
ونقلت «تسنيم» عن مصدر في فيلق القدس تأكيده أن «قاآني على رأس عمله وأن التقارير حول صحته ونشاطه لها أهداف أمنية».
تجربة نووية سرية
لم يتوقف الارتباك في الساحة الإعلامية الإيرانية عند ذلك، بل إنه استمر ليصل إلى محطة أخرى، ممثلة في تقارير تحدثت عن إجراء طهران تجربة نووية سرية.
ففي وقت متأخر من مساء السبت 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تحدثت تقارير عن هزة أرضية بمحافظة سمنان شرق العاصمة طهران شعر بها سكان العاصمة.
وقالت القناة «الثانية» الإيرانية إن «هزة أرضية بقوة 4.4 درجة هزت الأرض قرب مدينة أرادان بمحافظ سمنان على عمق 12 كيلومترا»، موضحة أن «السكان شعروا أيضًا بهذه الهزة الأرضية في بعض مناطق طهران».
وأشارت إلى أن «بعض سكان طهران ومدينة فيروزكوه التابعة لمحافظة طهران شعروا بهذه الهزة الأرضية».
لكن بعد ساعات من ذلك، رجحت مواقع إخبارية إيرانية عن قيام الحرس الثوري بتجربة نووية في صحراء سمنان بطريقة سرية، في ظل تصاعد التوتر مع إسرائيل وإمكانية أن تشن الأخيرة هجوماً على المنشآت النووية والنفطية الإيرانية.
وربط بعض الناشطين الإيرانيين بهذا الارتباك فيما يخص التجربة النووية، بعد مزاعم لمسؤولين إيرانيين عن إمكانية صنع قنبلة نووية، فيما ذهب آخرون إلى أن طهران بصدد تغيير عقيدتها العسكرية والنووية مع تزايد التهديدات الإسرائيلية.
لكنّ وكالة أنباء «نور نيوز» التابعة لمجلس الأمن القومي الإيراني، قالت الإثنين الماضي، إن التقارير التي تتحدث عن قيام طهران بإجراء اختبار حول قنبلة نووية بمثابة «شائعات كاذبة».
وكتبت الوكالة في حسابها الرسمي على منصة «كس»، أن «الشائعات المشبوهة التي تروجها وسائل الإعلام الأجنبية حول التجربة النووية الأولى لإيران كاذبة تماما وتتعارض مع عقيدة إيران النووية والدفاعية»، مضيفة: «تأتي هذه الإجراءات بهدف تعزيز استراتيجية التخويف من إيران التي تنتهجها إسرائيل والولايات المتحدة».
وكان ممثل روسيا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ميخائيل أوليانوف، قال الأسبوع الماضي، إن التقارير التي تحدثت عن قيام إيران بالتجربة النووية بشكل سري «غير صحيحة».
وأوضح أوليانوف في تغريدة عبر حسابه الرسمي بمنصة «إكس»، أن «اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO) قامت بتحليل إشارات محطاتها الـ25، وخلصت إلى أن الأشكال الموجية المسجلة تتفق مع الزلازل السابقة في إيران».
وتابع: «فيما يتعلق بالأحداث الزلزالية في إيران في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانت هناك تكهنات بأنها ربما كانت ناجمة عن تجارب نووية، وقام CTBTO بتحليل الإشارات من محطاته الـ 25 وتوصل إلى استنتاج مفاده أن الأشكال الموجية المسجلة كانت متسقة مع الزلازل السابقة في إيران».
وفي 10 سبتمبر/أيلول الماضي، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية المعروفة باسم " CTBTO" ، كمعاهدة متعددة الأطراف، وأصبحت متاحة للأعضاء للتوقيع عليها، اعتبارًا من نهاية سبتمبر/أيلول 1996 من نفس العام.
وتحظر هذه المعاهدة على الدول الأعضاء إجراء أي تفجير نووي في أي مكان تحت أراضي الدولة العضو أو سيطرتها. ومن أهم متطلبات تنفيذ هذه الاتفاقية إنشاء أنظمة مراقبة دولية بما في ذلك محطات المسح الزلزالي دون الصوتي.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMTIg
جزيرة ام اند امز