الوضع الاقتصادي في إيران، الذي وصل إلى مستويات عالية من الانهيار، لا تؤكده فقط تصريحات روحاني، بل تدعمه الأرقام.
ليس بالأمر الجديد أن يقول النظام الإيراني إن بلاده تواجه حرباً اقتصادية، فهذا الحديث يعد جزءا من الخطاب الإيراني منذ سقوط ملكية الشاه وصعود نظام الملالي الذي يحاول تصوير نفسه بأنه في مواجهة مع القوى الإمبريالية وقوى الاستكبار العالمي.
لكن حديث الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن الحرب الاقتصادية أقوى من الحرب العسكرية، والتي سبقها تصريحات له بأن بلاده تواجه أصعب وضع اقتصادي منذ 40 عاما، فهذا يدل على سقوط الخطاب الثوري وخطاب المكابرة الذي اعتدنا سماعه لسنوات طويلة والذي كان يتضمن شعارات (بأن إيران سوف تصمد ولن تتأثر بالعقوبات وغيرها من الشعارات المواجهة للاستهلاك الداخلي).
لا يمتلك النظام الإيراني الكثير من الخيارات تجاه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها، ففي السابق كان يعول النظام الإيراني على الاتحاد الأوروبي للضغط على الإدارة الأمريكية لكن حتى وإن كان هناك التزام أوروبي بالاتفاق النووي، فلا يزال هناك تطابق في وجهات النظر الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية
هذه التصريحات من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني تحمل معها اعترافا واضحاً بمدى صعوبة الوضع الإيراني، وتؤكد أن الاقتصاد قد وصل إلى مستويات متردية، ولم يعد بالإمكان التغطية عليه، وهو بالتالي أجبر الرئيس الإيراني حسن روحاني على أن يخرج بتصريحاته هذه التي تناقض تصريحاته السابقة قبل نحو شهر من هذه التصريحات والتي حاول روحاني فيها أن يشتت الانتباه عن ذلك ويؤكد صمود الاقتصاد.
الوضع الاقتصادي في إيران، الذي وصل إلى مستويات عالية من الانهيار، لا تؤكده فقط تصريحات روحاني، بل تدعمه الأرقام، حيث كشف مصطفى مير موساوي العضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، أن حوالي 70 % من المصانع أغلقت بسبب الوضع الاقتصادي، وكذلك تصريحات رئيس لجنة الصناعات في الغرفة التجارية الإيرانية أبو الفضل كلبايكاني الذي تحدث عن عدم توافر المواد الخام، ونقص العملة الصعبة بسبب العقوبات الأمريكية والتي أدت لإغلاق وإفلاس العديد من المصانع وورش العمل، وأيضا نسبة التضخم السنوي في إيران وصلت من الفترة 23 أكتوبر وحتى 22 نوفمبر 2018 ما يقارب 34.9%، وهو ما يعكس بالتالي الضرر الحاصل في الاقتصاد الإيراني نتيجة الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية .
إن الاعتراف الإيراني بوجود أزمة اقتصادية إيرانية لا سيما من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، والتي سقطت معها شعارات الخطاب الثوري وخطاب المكابرة، تؤكد أن الحكومة الإيرانية لا تمتلك حلولا لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، وهذا ما بدا واضحا من خلال التصريحات الرسمية التي طالبت الشعب الإيراني بالتقشف.
ومن جهة أخرى يؤكد تغيير الموقف الإيراني بوجود ضغط داخلي شعبي متزايد واستمرارية الاحتجاجات في الشارع الإيراني. لكن هذا الاعتراف لا يؤمن طوق نجاة للنظام الإيراني بل يضعه في مأزق، خاصة أنه لم يقدم حلولاً بقدر ما سعى لمطالبة المواطنين بالتقشف، ما يجعل هذا الاعتراف بمثابة سكب الزيت على حالة الغليان التي يعيشها الشارع الإيراني ويرفع من حدة الضغط الداخلي الشعبي الذي على قناعة بأن الجذور الرئيسية التي أدت لهذه الأزمة الاقتصادية هي سياسات النظام التي عزلت إيران عالمياً ودفعته أمام العقوبات الاقتصادية.
لا يمتلك النظام الإيراني الكثير من الخيارات تجاه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها. ففي السابق كان يعول النظام الإيراني على الاتحاد الأوروبي للضغط على الإدارة الأمريكية لكن حتى وإن كان هناك التزام أوروبي بالاتفاق النووي، فلا يزال هناك تطابق في وجهات النظر الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتجارب الصواريخ الباليستية، وهو ما زعزع ثقة النظام الإيراني بالأوروبيين وهذا ما تكشفه تصريحات المرشد الإيراني على خامنئي الذي حذر من "خداع" الدول الأوروبية، وهي تحذيرات تعكس الشك الإيراني في الاتحاد الأوربي في مواجهة العقوبات الأمريكية والضغط الدولي المتزايد على طهران وبخاصة عقب مؤتمر وارسو.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة