مهادنة أم انتظار للحظة الحاسمة.. ماذا وراء صمت أحمدي نجاد على احتجاجات إيران؟
مع استمرار الاحتجاجات في إيران لشهرها الرابع على التوالي دون أن تخمد جذوتها بعد، تعالت الأصوات المنتقدة من داخل النظام، لتعامل الحكومة "العنيف" مع المتظاهرين.
تلك الأصوات والتي أدانت عنف الدولة ضد موجة الاحتجاجات المستمرة التي بدأت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، حمل شعلتها غالبية الشخصيات السياسية والمشاهير ورموز الرياضة في إيران.
إلا أن صمت الرئيس الأسبق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام (هيئة حكم) محمود أحمدي نجاد منذ بداية الاحتجاجات كان مثيرًا لـ"الفضول والدهشة"، خاصة أن الرجل الذي كان غارقًا في عباءة السلطة، دأب منذ تنحيه في العام 2013 لرسم صورة عامة جديدة لنفسه تتميز بالمواقف الليبرالية، وعنوانها سياسة خارجية تصالحية وآراء متسامحة بشأن حقوق المرأة.
وفيما وجه الرئيس الإيراني الأسبق مؤخرا انتقادات لاذعة لبلاده لانحيازها لروسيا في عمليتها العسكرية بأوكرانيا، كان لصمته عن احتجاجات مهسا أميني تفسيرات عدة؛ بينها ما قال عنه مراقبون، إن لديه خططًا مستقبلية ودورًا يريد أن يحدده لنفسه في التسلسل الهرمي في السلطة الحاكمة.
ويقول خبراء إن أحمدي نجاد لا يريد أن يفقد مكانته من خلال التعاطف مع المتظاهرين، الأمر الذي سيثير حتمًا حفيظة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي دعم رئاسته دون قيد أو شرط.
عباءة معتدلة
وإلى ذلك، قال مدير التطوير التحليلي في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة الأمريكية كامران بخاري، في تصريحات لـ"المونيتور"، إن أحمدي نجاد يحاول السيطرة على "العباءة المعتدلة"، لكنه يدرك في الوقت نفسه، أنه لا يمكن أن يكون متمرّدًا على المؤسسة.
وحول سبب صمت الرئيس الإيراني الأسبق بشأن الاحتجاجات، قال بخاري إن "أحمدي نجاد في مكان صعب، يريد الاستفادة من الوضع الحالي لكنه يدرك أن القيود التي فرضها في عهده لن تجعل المتظاهرين يؤيدوه بسبب إرثه"، مشيرًا إلى أن "خطوط الصدع داخل النظام أصبحت أكثر حدة من ذي قبل بالنظر إلى الأزمة المستمرة، ما قد يفسر –أيضًا- صمت أحمدي نجاد".
وأضاف مدير التطوير التحليلي في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة الأمريكية، أن نجاد يراقب الوضع عن كثب، و"سيقفز إلى المعركة عندما تكون مخاطر القيام بذلك أقل بكثير من المكافآت المحتملة".
الكثير وراء صمت نجاد
أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا علي أنصاري، قال: "لست مقتنعًا بأن الغالبية العظمى من الناس يعتقدون أن هذا ليس أكثر من مجرد انتهازية، وصمت أحمدي نجاد الأخير يعبّر عن الكثير".
وأوضح أنصاري "أظن أنه يدرك أن الوضع خطير بما فيه الكفاية الآن للسماح بمسرح سياسي من النوع الذي ينغمس فيه والذي أغرقته المؤسسة به"، لافتاً "إذا تحدث عن غيره الآن، فقد تكون العواقب وخيمة عليه".
ويقول عباس أميري فر رجل الدين السياسي المتشدد الذي ظل لسنوات مقرباً من أحمدي نجاد وكان مستشاراً ثقافياً في رئاسة الجمهورية، إن "نجاد أبلغ القيادات المقربة منه بعدم اتخاذ أي موقف من الاحتجاجات والتزام موقف الحياد".
وأضاف أميري فر في مقابلة مع موقع "عرشة أون لاين" الإيراني: "أنا منقطع عن نجاد منذ سنوات، لكن ما أفهمه منه أنه وأنصاره لا يؤمنون بالنظام وقيادة خامنئي على الإطلاق".
وبشأن صمته، أجاب أن "تحليلي هو أن لديهم خطة للانتخابات سواء كانت البرلمانية أو الرئاسية المقبلة، لديهم خطة إطفاء الأنوار للانتخابات البرلمانية، ويريدون الدخول بكل قوتهم إلى الرئاسة، ويرى نجاد وأنصاره أن حكومة إبراهيم رئيسي سوف تفشل".
وتابع: "لم أتواصل معه منذ عدة سنوات، لكنني أعلم أنه بعد انتظار عدم اعتقاله والحصول على منصب في مجمع تشخيص مصلحة النظام، تحدث إلى قواته بعدم اتخاذ موقف بأي شكل من الأشكال في الأحداث الأخيرة، وعلى ما يبدو، قال لأنصاره ألا تتخذ موقفًا لا لصالح النظام ولا ضده".
وأعتبر السياسي المتشدد أن موقف بعض الإصلاحيين مما أسماها بـ"الفتنة الأخيرة" أوضح من نجاد، قائلا: "رغم انتقاداتهم الكثيرة للنظام، عندما رأى الإصلاحيون أن المحرضين يريدون التشكيك في كل شيء، فقد وقفوا أيضًا ضد أعمال الشغب، لذلك ربما الإصلاحيون اتخذوا موقفًا سينتهي بخسارتهم السياسية في المرحلة المقبلة، لكنهم أيدوا النظام بخلاف نجاد".
هل هدد النظام نجاد؟
ولم يستبعد أميري فر أن "يكون نجاد قد تلقى رسائل من النظام باعتقاله في حال أبدى موقفاً من الاحتجاجات يعارض سياسة النظام، قائلا "عندما تمت إزالة أشخاص مثل حسن روحاني أو ناطق نوري (سياسي معتدل)، كانت هذه رسالة لأحمدي نجاد مفادها أنه إذا كنت في النظام، فلا علاقة لنا بك، وإلا سيكون مصيرك غير ذلك".
وتابع" "أحمدي نجاد ليس من يستمع إليه، ويصمت فقط من أجل مصالحه الخاصة، وإلا فسيتم القضاء عليهم وحتى القضاء على أنصاره إلى الأبد، فقالوا لهم التزام الصمت حفاظًا على هذا الأمل ومستقبلهم الانتخابي".
تاريخ متقلب:
- 2005 -2013.. أغرق إيران في عزلة غير مسبوقة بحظر الصحف وإطلاق يد الرقابة، وتشديد القيود على الإنترنت.
- 2006.. ظهر القسم سيئ السمعة في أجهزة إنفاذ القانون الإيرانية والمعروف بشرطة الأخلاق، المسؤولة عن وفاة مهسا أميني، لأول مرة بناءً على تعليمات أحمدي نجاد.
- 2007.. تعرض خطاب ألقاه نجاد في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، لصيحات الاستهجان مرارًا وتكرارًا من قبل الطلاب وغيرهم من الحاضرين.
- 2009.. حجبت السلطات تحت إشراف أحمدي نجاد "فيسبوك" و"تويتر"، بعد احتجاجات ضد النظام قادتها المعارضة الإصلاحية.
- أغلق في عهده مكاتب العديد من وكالات الأنباء الأجنبية، مثل رويترز وبي بي سي في طهران.
- حوكم في عهده كبار الشخصيات المؤيدة للإصلاح والصحفيين في محاكمات صورية.
- ورط البلد الآسيوي في أزمات دبلوماسية متكررة، فلم تتم دعوته أبدًا لزيارة رسمية أو دولة إلى أي دولة أوروبية.
- وتكررت عمليات الخروج في خطبه في أحداث الأمم المتحدة والمنتديات الدولية الأخرى، ورفضه زعماء العالم - حتى من الدول التي كانت تقليديا مرتبطة بإيران - في
- عام 2012.. رفض الرئيس البرازيلي آنذاك ديلما روسيف لقاءه بعد وصوله إلى ريو دي جانيرو لحضور قمة الأمم المتحدة ريو +20.
بعد الخروج من السلطة
- بعد تنحيه عام 2013، بدأ أحمدي نجاد في التحرك بحذر إلى الأمام لرسم صورة ليبرالية.
- حاول مناشدة الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة.
- سعى لموازنة فرصه في الترشح المنصب مرة أخرى، بالاعتماد على أصوات الإيرانيين المحبطين.
- دأب على توجيه انتقادات لاذعة للنظام بأكمله وشخص المرشد علي خامنئي وطبيعة الحكم في بلاده.
- فسر البعض غيابه عن اجتماعات مجلس تشخيص مصلحة النظام بوجود نية لدى خامنئي بإقالته من منصبه.
- سعى من خلال إجراء مقابلات مع مؤسسات إعلامية معادية للنظام الإيراني، مثل الخدمة الفارسية لإذاعة أوروبا الحرة (إذاعة فردا)، أو إندبندنت فارسي، توجيه انتقادات مبطنة إلى الأجهزة الأمنية.
- حاول إبراز نفسه على أنه سياسي ليبرالي عاقل يقاوم تعاليم الحكومة والأصولية الدينية.
- استخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الجمهور الأمريكي، وأثنى على نجوم الدوري الأمريكي للمحترفين وغيرهم من الشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية الأمريكية مثل أنجلينا جولي، ولاري كينغ، ومالكولم إكس.