بينما العالم يترقب اندلاع شرارة الحرب في الخليج، فاجأ التحالف الأمريكي - الخليجي الجميع بتكتيك مختلف للغاية عن مجرى التصعيد من إيران.
بينما العالم يترقب اندلاع شرارة الحرب في الخليج، خصوصاً بعد حادثتي تخريب السفن الأربع قبالة ميناء الفجيرة، والاعتداء على محطتي ضخ نفطيتين بالسعودية، فاجأ التحالف الأمريكي - الخليجي الجميع بتكتيك مختلف للغاية عن مجرى التصعيد الحاصل من إيران، عبر إعادة انتشار القوات الأمريكية في المنطقة، كما كشفت صحيفة «الشرق الأوسط» أمس. حقيقة، كان سيناريو بارعاً، فمقابلة الاندفاع الإيراني بخطوة أكبر تذهب باتجاه ردع إيران، وليس السماح لها بالدفع لحرب جديدة، لم يتخيله أحد، ولم يتوقعه أحد. فالهدف نزع فتيل الحرب، ومنع إيران من استمرار الاستفزازات والسلوكيات الطائشة، خصوصاً أن المنطقة كانت على فوهة بركان، وقريبة من الانفجار في أي ثانية. أما بعد خطوة إعادة الانتشار، فإيران لن تجرؤ على القيام بأي تصرف أحمق أو استفزاز، وهي ترى في صرامة الرد المنتظر كارثة عليها، ناهيك عن استمرار الضغط أكثر حتى تؤدي العقوبات الاقتصادية نتيجتها على بنية النظام الإيراني، وهي على كل حال بدأ مفعولها بشكل أسرع مما كان منتظراً.
إيران تقف اليوم أمام معضلتين: الأولى تكمن في أوضاعها الداخلية القريبة من الانفجار بسبب العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تاريخياً، والثانية بسبب سلبية مواقف الحلفاء (روسيا والصين)، والموقف الباهت من الأوروبيين من الاتفاق النووي، وهو ما أفضى إلى محدودية الخيارات الإيرانية.
توجد في دول الخليج تسع قواعد عسكرية: خمس منها أمريكية (بما فيها مقر القيادة المركزية في قطر)، وقاعدتان بريطانيتان، وقاعدة فرنسية، وقاعدة تركية، بالإضافة إلى انتشار 54 ألف جندي أمريكي في 12 قاعدة عسكرية بالشرق الأوسط، أي أن الوجود الأمريكي ليس جديداً بالمنطقة؛ الجديد هو وجود القوات الأمريكية مع القوات العسكرية الخليجية في مراكز وموانئ الدول الخليجية، بموافقة وتدبير وتنسيق مسبق منهم، مما يعني أن الانتشار في صيغته الجديدة سيكون سيفاً مسلطاً على إيران، يمنعها من الاستفزاز الذي كانت تمارسه، كما سيمنعها من أي محاولة لتصعيد الموقف عسكرياً، ومهاجمة دول الخليج أو مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، باستغلال المنطقة الرمادية التي كانت تتحرك فيها ومليشياتها؛ حيث استدعت التطورات الأخيرة إعادة تعريف مقومات الأمن وترتيب الأولويات في المنطقة، فالمهم هنا أن إعادة الانتشار ليس المقصود به بدء الحرب، وإنما تأمين وردع، وهو نوع من أنواع الضغط بالغ القسوة الذي يمارس لأول مرة على إيران حتى تستجيب لمطالب إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، وتتحول لدولة طبيعية، مثلها مثل جيرانها لا أكثر ولا أقل.
بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي مطلع التسعينيات، عندما تم إرساء أول تحالف استراتيجي عسكري أمريكي - خليجي، لضمان أمن الخليج ضد أي تهديدات مباشرة لدوله، ونظراً لسقوط نظام صدام حسين جزئياً أولاً، ثم رحيل النظام بالكامل عام 2003، أصبح هذا التحالف الاستراتيجي موجهاً مباشرة ضد النظام الإيراني الذي وحده يهدد استقرار المنطقة. صحيح أن الوجود الأمريكي يعود إلى قبل ذلك بكثير، إلا أن التحالف الاستراتيجي أصبح أكثر عمقاً وأقوى ارتباطاً خلال العقدين الماضيين، نظراً للتوترات التي تعيشها المنطقة باستمرار، بفعل السلوكيات العدوانية الإيرانية التي تعاظمت حتى بلغت حداً لا يمكن مجاراته، كما كانت تفعل السياسة الأمريكية، خصوصاً في فترتي الرئيس السابق باراك أوباما، وهو ما أفرز رؤية مشتركة بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين، بضرورة رفع الكارت الأحمر في وجه عدوانية إيران التي لم يصبر عليها أحد كما صبر جيرانها.
إيران تقف اليوم أمام معضلتين: الأولى تكمن في أوضاعها الداخلية القريبة من الانفجار بسبب العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تاريخياً، والثانية بسبب سلبية مواقف الحلفاء (روسيا والصين)، والموقف الباهت من الأوروبيين من الاتفاق النووي، وهو ما أفضى إلى محدودية الخيارات الإيرانية، فالحرب أمامهم والكارثة الاقتصادية خلفهم. ومع خطوة إعادة انتشار القوات الأمريكية، وإحكام الخناق على منعهم من القيام بأي خطوة عسكرية متهورة، فليس هناك من حل يلوح أمامها إلا الاستعجال بالتفاوض على اتفاق جديد يحل محل الاتفاق الميت السابق، اتفاق يشابه ما قامت به كوريا الشمالية عندما أُغلقت الحلول أمامها. ربما يطول الأمر قليلاً، إلا أنه الخيار الوحيد المتبقي، بعد أن استنفدت طهران خياراتها كافة على مدى أكثر من أربعين عاماً.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة