أولويات وظيفية: كيف أجادت المليشيا الحوثية دور الوكيل الإيراني؟
إيران ترى أن لحظة التسوية لم تحن بعد، وأن إنفاذ اتفاق ستوكهولم لن يكون في صالحها، وأنها في حاجة إلى تفعيل دور المليشيا الوكيل في اليمن
أهدرت المليشيا الحوثية الفرصة تلو الأخرى في إثبات أنها يمكن أن تكون فصيلا وطنيا يمنيا قابلا للانخراط في عملية سياسية تعيد الاستقرار للبلاد.
كانت أولى هذه الفرص مع انطلاق مسار التسوية المتمثل في اتفاق ستوكهولم (ديسمبر/كانون الأول 2018) بعد نحو 4 سنوات على انقلاب المليشيا على الحكومة الشرعية في البلاد في سبتمبر/أيلول 2014، أما الفرصة الثانية فكانت مع بداية التصعيد الإيراني-الأمريكي في الخليج، والذى كان يمكن أن تنأى المليشيا بنفسها عن الانخراط فيه، لكنها اقتنصت تلك الفرص للتأكيد على أن أولوياتها هي أداء دورها الوظيفي كتابعة لإيران، مثلها مثل عديد من الوكلاء في الإقليم، من خلال التصعيد على الساحتين الداخلية والخارجية وفق مقتضيات الأجندة الإيرانية مرحلياً.
مؤشرات كاشفة
على الرغم من أن ايران كانت من الدول المرحبة بحوار ستوكهولم، وأعلنت على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنها لعبت دوراً في دفع الحوثيين للمشاركة في المفاوضات، إلا أنه يظل من المرجح أن الرغبة من وراء ذلك كان تحقيق حزمة من الأهداف، في مقدمتها الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي بأن المليشيا طرف في العملية السياسية الخاصة باليمن، أما الهدف الثاني فيتمثل في منح المليشيا فرصة لإعادة ترتيب أوراقها السياسية وصفوفها الميدانية في الداخل، حيث كانت على وشك الانهيار في ظل عمليات الساحل الغربي، لا سيما بعد دخول القوات التابعة للجيش الوطني تحت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية إلى الحديدة لتحريرها من المليشيا، وبالتالي فإن التدخل الإيراني في دفع المليشيا للمشاركة بني على تكتيك استغلال فرض الحوار لوقف العمليات العسكرية والتقاط المليشيا الأنفاس.
ما يدعم فرضية "استغلال حوار ستوكهولم" هو المؤشرات الحالية، فبعد 6 أشهر على الاتفاق لم يتم إحراز أي تقدم في أي من محاور الاتفاق، سواء الشق السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، بل على العكس من ذلك تدل كافة المؤشرات على رفع مستوى التصعيد وعرقلة تنفيذ استحقاقاته بالنسبة لكافة المؤشرات.
فعلى سبيل المثال، قامت المليشيا باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش اليمني الوطني محمد صالح طماح بطائرة مسيرة مفخخة استهدفت العرض العسكري في قاعدة العند الجوية في يناير/كانون الثاني 2019، كما استمرت عمليات تهريب السلاح الإيراني عبر ميناء الحديدة خاصة الأسلحة النوعية الجديدة التي استخدمتها في هجماتها الداخلية والخارجية. وأيضا عرقلة أداء اللجنة الأممية المعنية بعملية "إعادة الانتشار"، إلى حد تهديد عملها واستهداف فريقها، والتحايل على مضمون الاتفاق السياسي من خلال محاولات فرض عناصرها ضمن عملية الانتشار تحت مسمى قوات حرس الحدود واقتسام إدارة الميناء، وحتى مع محاولات تمرير هذا التوجه اكتشفت المليشيا أن خروج ميناء الحديدة عن سيطرتها أو وجود آليات رقابة عليه سيوقف الرافد الأساسي لمدها بالسلاح الإيراني.
دلالات التطورات الأخيرة
فيما يتعلق بمسار التسوية وكما سبقت الإشارة، كانت هناك أهداف تكتيكية حققتها عملية المشاركة في اتفاق ستوكهولم جزئيا، فمن المرجح أن إيران لا تزال ترى أن لحظة التسوية لم تحن بعد، وأن إنفاذ استحقاق الاتفاق لن يكون في صالحها، وأنها في حاجة إلى تفعيل دور المليشيا الوكيل في اليمن أكثر من أي وكيل آخر في رفع مستوى التهديد بالمنطقة، إضافة إلى رهن التسوية في اليمن بمعادلة التطورات السياسية الإقليمية، حيث تضمن أنها ستجني ثمارها على مسارح النفوذ الأخرى، يدعم هذا التوجه ما كشف عنه موقع المونتيور الأمريكي بأن إيران حاولت المشاركة في فاعليات لقاء ستوكهولم بشكل مباشر، من خلال مشاركة حسين جابر أنصاري مدير ملف العلاقات الإيرانية-السورية، والمسؤول عن ملف إدارة العلاقات الإيرانية في اليمن أيضا، لكن الولايات المتحدة حالت دون ذلك، خاصة أن باقي الأطراف الإقليمية لم يكن لديها ممثلون، وهو ما يؤكد مقاربة أقلمة الأزمة وسياسة ربط الملفات التي تنتهجها إيران، وهو ما يظهر من تعقيب البنتاجون على العملية بالقول "العدوان الحوثي يتوافق مع الأدلة على دور إيران الخبيث في المنطقة، واستمرار تجاهلها لقراري مجلس الأمن 2216 و2231".
بالإضافة إلى ما سبق، يكشف حصول المليشيا على صاروخ "كروز" بعد فترة وجيزة من الإعلان عن صاروخ باليستي "بدر F"، أن هناك مهمة محددة لهذا الصاروخ فشلت فيها الصواريخ الباليستية التي تم اعتراض معظمها من الدفاعات السعودية، تتعلق هذه المهمة برسائل ذات طابع خاص، منها محاولة إظهار قدرات جديدة ونوعية، واستعراض هذه القوة في التوقيت الحالي في ظل التوتر الراهن في الخليج، وأخرى روجت لها المليشيا في خطابها الإعلامي، وهي أن منظومات الدفاع الأمريكية في الخليج لا توفر الحماية المطلوبة، لكن الدعاية الإعلامية لتبني المليشيا عملية أبها استعرضت مواصفات تفوق تصور حصول المليشيا عليها أو إمكانية نقلها من إيران أو حتى الحاجة إليها في هدف قريب المسافة، حيث تم الإعلان عن أن مدى الصاروخ يصل إلى 2500 كلم، في حين أن هناك شكوكا حول أن إيران ذاتها تمكنت من ذلك، فضلا عن أن الهدف نفسه لا يتطلب تلك المسافة، لكن تلك الدعاية في المحصلة الأخيرة روجت لقدرات إيران الصاروخية، وإن لم تعترف المليشيا بذلك علانية أسوة بوكلاء آخرين مثل الفصائل الفلسطينية التي أكدت أن إيران مصدر صواريخها وزعمت أنها تطور قدرتها، في حين أنها لم تمتلك من الأساس قدرات صواريخ كروز ولم تقم بتجارب عليها، وهو ما يرجح فرضية وجود العنصر الإيراني في العملية.
سياسيا، تشير المظاهر الحوثية في إدارة الأوضاع في شمال اليمن، حيث لا تزال تبسط نفوذها العسكري على العاصمة صنعاء، إلى تقديم نموذج الوكلاء التقليدي ذي المرجعية الإيرانية، والشاهد على ذلك تلبية المطلب الإيراني بتعزيز الحضور الجماهيري في احتفالية يوم القدس في اليمن، لاستخدامه كمنصة دعائية للهجوم على مؤتمر البحرين الخاص بالمبادرة الأمريكية الجديدة للتسوية الفلسطينية، وهو ما أشادت به إيران ووكلائها الإقليميين، وكان أكثر وضوحا في خطاب حسن نصر الله الذي أشار إلى أن "اليمنيين فرضوا أنفسهم بقوة في المعادلة الإقليمية وفي الصراع في المنطقة"، كدلالة رمزية على تكاتف الوكلاء وفقا للأجندة الإيرانية في الإقليم، في حين كان اللافت في إشادة عبدالملك الحوثي بالجماهير التي خرجت في الحديدة في محاولة منه لإظهار أن مستوى نفوذ الحركة في المحافظة ضمن إطار التوظيف السياسي للحدث.
في الأخير تدور حركة المليشيا الحوثية في فلك السياسية الإيرانية صعوداً وهبوطاً، وبما أن إيران تنتهج مرحليا مسار التصعيد الإقليمي فقد أثبتت المليشيا الحوثية أنها إحدى أدوات هذا التصعيد، الذي تظهر انعكاساته على مجمل الملفات وساحات التصعيد، سواء الداخلية في اليمن من خلال عرقلة المسار السياسي وتعقيد مسار التسوية، أو خارجيا من خلال زيادة معدل هجماتها على السعودية، ما يؤكد أن الأجندة الإيرانية تحتل أولوية في حسابات المليشيا كوكيل إيراني في اليمن.
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA== جزيرة ام اند امز