إيران وأمريكا.. مفاوضات النووي إلى أين؟

لا شيء أكثر حساسية في إيران من فكرة إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة وإن كان رئيسها الحالي هو دونالد ترامب.
فترامب هو الذي دمر الاتفاق النووي المبرم عام 2015 حينما انسحب منه في عام 2018 متبعا سياسة "الضغوط القصوى"، وذلك رغم التزام طهران بالاتفاق كما أنه هو الذي منح في 2020 الإذن بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
والأكيد أنه لم يرغب قادة إيران في أن يعلن ترامب للعالم أن المحادثات المباشرة ستبدأ يوم السبت المقبل فضلا عن الإدلاء بهذا التصريح إلى جانب عدوهم اللدود، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "تلغراف" البريطانية.
لذا فإن ازدراء ترامب المعتاد للكتمان، منح المساعي الأمريكية الجديدة للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي بدايةً كارثية، بحسب الصحيفة.
وأوضحت أنه في كل الأحوال، تبدو فرص نجاح المفاوضات ضئيلة حيث لا تحتاج إيران الآن إلا إلى أسابيع لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم اللازم لصنع قنبلة نووية واحدة، أما تحويل هذا اليورانيوم إلى رأس حربي يُطلق على صاروخ فسيستغرق عامًا آخر أو نحو ذلك، لكن إيران بالفعل دولة نووية على أعتاب امتلاك السلاح النووي.
وبالتالي، فإن هدف الولايات المتحدة من المفاوضات لن يكون وضع حد للبرنامج النووي الإيراني إنما كبح جماح تقدم طهران بسرعة وبشكل يمكن التحقق منه، وإذا كشفت المفاوضات عن استحالة تحقق ذلك الهدف فإن إسرائيل ستدمر المنشآت النووية الإيرانية بضربات دقيقة ستكون أكثر تدميراً إذا انضمت لها واشنطن بحسب زعم نتنياهو.
وفي حين تطلب إبرام الاتفاق الأول، 12 عاما من المفاوضات فقد حدد ترامب مهلة شهرين فقط للتوصل لاتفاق جديد وهو ما يعني أن الوقت ينفد سريعا حيث بدأت واشنطن سباقا سريعا لتحقيق نسخة أكثر صرامة من نفس الاتفاق الذي انسحب منه ترامب في ولايته الأولى.
وقد يكون بصيص الأمل الوحيد للتوصل لاتفاق هو أن نظام إيران أضعف اليوم من أي وقت مضى منذ نهاية حربه المدمرة مع العراق عام 1988 وذلك بعدما قضت إسرائيل على الأذرع الموالية لطهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بداية من حماس في غزة ثم حزب الله في لبنان إلى جانب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد "وهو ما جعل إيران تصبح فجأة معزولة وضعيفة للغاية"، بحسب الصحيفة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ردت إسرائيل على هجوم صاروخي إيراني بإرسال أكثر من 100 طائرة مقاتلة لضرب أهداف في أنحاء إيران، مما أدى إلى تدمير الدفاعات الجوية ومنشأة نووية واحدة، تُعرف باسم بارشين، حيث كان يُشتبه في أن النظام كان يختبر زنادات لرؤوس حربية.
حل وسط
وبحسب رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية محمد محسن أبوالنور فإنه في إيران دار جدال وسجال واسع النطاق في الأسابيع الأخيرة حول موضوع التفاوض مع أمريكا بين خندقين شديدي البأس ومتعددي الأدوات.
أولا: خندق المحافظين كان يرفض تماما الذهاب إلى التفاوض لعدة اعتبارات بينها خروج ترامب من الاتفاق عام 2018 وتوقيعه عقوبات على البلاد أضرت للغاية بمركزها المالي الداخلي والخارجي.
إضافة إلى أن إيران ليست لديها أوراق ضغط تطرح على الطاولة على غرار أدوات 2013، ويمكن للرئيس الإيراني أن يتعرض لما تعرض له الرئيس الأوكراني.
ثانيا: خندق الإصلاحيين كان يريد الذهاب إلى تفاوض مباشرة رأسا مع أمريكا للاعتبارات التالية:
- لا حل للمشاكل الاقتصادية إلا بالتفاوض مع أمريكا.
- وضع النظام الدولي حتى الآن يشير إلى أن أمريكا متحكمة في كل مفاصل الاقتصاد العالمي.
- من المبكر جدا الاعتماد فقط على دول الجنوب العالمي في مواجهة النفوذ المالي الأمريكي شديد التأثير والتحكم.
- الأزمات الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى انفجار اجتماعي داخلي كبير لا يعرف أحد خطورته إلا الله.
- يمكن لإيران أن تفاوض أمريكا بكروت اقتصادية مثل أن تمنحها حصرا حقوق الاستثمار في البلاد بدلا عن أوروبا التي استحوذت على كل الصفقات عام 2015.
- بعد خسارة غزة وتراجع حزب الله وخسارة سوريا فإن التفاوض يحمي إيران من مصير بشار الأسد.
على ما سبق يشير الوضع الراهن إلى أن المجلس الأعلى للأمن القومي المخول حصرا بالبت في مثل تلك القضايا المتعلقة بالحرب والسلم والتفاوض وخلافه، حسم أمره وقرر الذهاب إلى حل وسط، وفق أبوالنور.
وبحسب الخبير في الشؤون الإيرانية فإن الحل الوسط يقوم على «لا لرفض التفاوض ولا للذهاب إلى تفاوض مباشر».
وأوضح أن هذا الحل الوسط يجمع بين تفادي تخوفات كل من الإصلاحيين والمحافظين وينهض على الذهاب إلى التفاوض غير المباشر الذي يمكن أن يرتقي إلى تفاوض مباشر.
يمكن أن يرتقي التفاوض إلى صيغة مباشرة للاعتبارات التالية:
- يرأس وفد التفاوض وزير الخارجية شخصيا بأعلى صلاحيات ممكنة وهو الرجل الموثوق من الإصلاحيين والمحافظين على حد سواء.
- إن قدمت أمريكا في أولى الجلسات بوادر تحفظ لإيران ماء وجهها أمام الرأي العام الداخلي والحلفاء والشركاء الإقليميين وتخلت عن نبرة التهديد.
- إخراج إسرائيل من المعادلة تماما.
- الاكتفاء بالتحدث عن البرنامج النووي حصرا كإطار عمل في الجولات الأولى.
- عدم إشراك أي دولة إقليمية في صيغة التفاوض ولا حتى بصورة مراقب.
- عدم التعجل الأمريكي في التوصل إلى اتفاق يستغل إعلاميا للدعاية السياسية المحلية في واشنطن.
- الرغبة الأمريكية العارمة في اختصار الوقت وتفادي أخطاء صيغة مفاوضات فيينا المتعلقة بمحاولة إعادة إحياء اتفاق 2015.
aXA6IDMuMTM2LjE5LjE2NSA= جزيرة ام اند امز