إضافة إلى لغة التهديد، بدأت طهران حملة على صادرات النفط الخليجية بالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية في مايو 2018، اتخذت طهران في البداية سياسة حذرة من الصبر الاستراتيجي "Strategic-Patience" وتعاملت مع الأزمة، وكأن هناك إدارة أمريكية مختلفة في مرحلة ما بعد نوفمبر 2020. لكن الضغط غير المسبوق للحكومة الأمريكية من خلال عقوبات أكثر تعقيدا أجبر النظام الإيراني على تقليص صادراته النفطية من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في مايو 2018 إلى أقل من نصف مليون برميل من النفط يوميا، وأعلنت طهران بلغة التهديد أنها عازمة على تجاوز القيود المفروضة على برنامجها النووي بالإضافة إلى أن الطرق البحرية الدولية لن تكون آمنة كما كانت في السابق، على أمل أن الضغط المضاد على كل من الصين والهند واليابان وفرنسا وألمانيا وبقية أعضاء الاتحاد الأوروبي قد يوجد حلولا أو مخرجا للضائقة الإيرانية.
يجب على الدول التعامل مع حرب من الإطار غير المتماثل تشنها طهران بحزم، عليها أيضا الضغط على القوى بالوكالة كحزب الله ومليشيا الحوثي والجماعات المتطرفة الأخرى، عسكريا واقتصاديا، وبالتالي تفقد طهران أدواتها الخارجية والتي تستعين بها للضغط المضاد، لكن السؤال الحقيقي: إلى متى تستطيع طهران تحمل العقوبات الاقتصادية والتي أصبحت قاتلة؟
إضافة إلى لغة التهديد، بدأت طهران حملة على صادرات النفط الخليجية بالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهما حليفان مزعجان للسياسة الإيرانية ولبقية دول محور الشر. بدأت الحملة الإيرانية بتخريب ناقلات نفط بالقرب من المياه الإقليمية في الإمارات، ومن ثم استهداف مليشيا الحوثي الإيرانية لخط أنابيب الشرق والغرب والذي يعد تصعيدا جريئا من نوع آخر. وبالأمس القريب كان هناك استهداف أيضا لحقل ومصفاة شيبة التابع لأرامكو. وبذلك يعود النظام الإيراني إلى بعض التكتيكات التي استخدمها لتهديد أسواق الطاقة العالمية خلال ما يسمى حرب الناقلات التي تطورت خلال الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988. الجديد في الأمر أن الهجمات تجاوزت الطرق التقليدية وأصبحت حروبا غير متماثلة، فالأهداف وأدوات التنفيذ سواء كانت بشرية أو غير بشرية أصبحت مختلفة عن تلك في فترة الثمانينيات، فهناك قوى بالوكالة كمليشيا الحوثي تستخدم طائرات بدون طيار، وهناك قوات لعمليات خاصة بحرية (إيرانية) تستخدم ألغام "limpet mines" وغيرها. ومن خلال متابعة الأحداث وقراءة النتائج يبدو أن النية لم تكن إغراق السفن كأهداف أو إصابة خطوط النفط أو الغاز بالشلل، لكنها بلا شك استعراض لقوى الحرس الثوري وتوجيه رسائل تهديد للمجتمع الدولي.
الهجمات التي تشنها طهران أو القوى بالوكالة لا يمكن أن تعكس وضعا اقتصاديا إيرانيا في حالة سيئة جداً، لا يوجد رابط منطقي بين الاثنين، ولكنها يمكن أن تخلق الظروف لرد دولي أكثر حزماً على إيران. وإذا صعّدت طهران من حربها غير المتماثلة، فإنها تخاطر باستفزاز المجتمع الدولي ولن تكون ردة الفعل تقتصر على حراسة بحرية متعددة الجنسيات وعقوبات دولية، ولكن ربما تصادم عسكري مكلف ومحفوف بالمخاطر مع الولايات المتحدة. في الوقت الراهن أي صِدام سيُمكّن النظام الذي لا يحظى بشعبية من حشد الدعم المحلي من خلال مناشدة القومية الإيرانية، وقد يكون هذا سببا يفسر تبني واشنطن الصبر في شن عمليات عسكرية.
ما تحتاج إليه واشنطن في المرحلة القادمة حشد أقوى دعم دولي ممكن للتعامل مع تهديدات إيران البحرية والنووية والإرهابية، دبلوماسيا، وأن تكون القضية "إيران ضد العالم" بدلاً من مجرد "إيران ضد الولايات المتحدة"، كما يحاول النظام الإيراني تصويره من خلال أدواته الإعلامية أو أدوات قطر. ويجب عليها أن تبني بصبر قضية ضد إيران أمام المجتمع الدولي يخلق دعماً أوسع وأكبر لفرض مزيد من العقوبات كتصفير الصادرات النفطية، أو بعثات مرافقة بحرية محتملة، أو خيار آخر لعمليات عسكرية. وأفضل طريقة لردع المزيد من العدوان الإيراني وتجنب "حرب" محتملة هي تجنيد حلفاء أوروبيين وآسيويين وعرب للانضمام إلى حملة دبلوماسية شاملة بقيادة الولايات المتحدة لإقناع طهران بأن السبيل الوحيد لرفع العقوبات هو من خلال المفاوضات لحل القضية النووية والكف عن التدخل في شؤون المنطقة. صحيح أن قادة إيران من خلال الوسطاء رفضوا المفاوضات مع إدارة الرئيس ترامب، لكنهم أيضا رفضوا خلال فترة الرئيس السابق أوباما ومن ثم أيقنوا أن الحل هو طَرْق طاولة المفاوضات.
الرئيس ترامب أشار عدة مرات إلى أنه على استعداد للتفاوض مع طهران، هذا مهم جدا كرسالة دبلوماسية أمام المجتمع الدولي لتعبئة المزيد من الضغوط الدولية على إيران، وللتأكيد للشعب الإيراني الذي طالت معاناته أن رفض النظام التخلي بشكل دائم عن طموحاته في امتلاك سلاح نووي وأن يكون عنصرا مسالما ضمن محيطه الدولي، أدى إلى فرض العقوبات وتقويض رفاههم الاقتصادي. ولكن.. إلى ذلك الحين يجب على الدول التعامل مع حرب من الإطار غير المتماثل تشنها طهران بحزم، عليها أيضا الضغط على القوى بالوكالة كحزب الله ومليشيا الحوثي والجماعات المتطرفة الأخرى، عسكريا واقتصاديا، وبالتالي تفقد طهران أدواتها الخارجية والتي تستعين بها للضغط المضاد، لكن السؤال الحقيقي: إلى متى تستطيع طهران تحمل العقوبات الاقتصادية والتي أصبحت قاتلة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة