هذا السلوك الإيراني لم يكن مفاجئا، بل يمكن الزعم أنه كان متوقعا إلى حد كبير، ويبدو منطقيا بالنظر إلى سلوك النظام الإيراني.
على الرغم من أن أحداً لم يتهم إيران رسمياً حتى الآن بالمسؤولية عن الأعمال الإرهابية والعمليات التخريبية الأخيرة التي طالت أهم ممرات النفط الدولية وأهم منابعه ومصادره، إلا أن كل أصابع الاتهام تشير إليها وحدها، فلا أحد سواها مرشح لتحميله مسؤولية تهديد السلم والأمن الدوليين وأمان إمدادات الطاقة للعالم والاقتصاد العالمي. فأي تحقيق دولي جاد في الجرائم الأخيرة سينتهي بالتأكيد إلى إدانتها بالنظر إلى سلوك نظامها، وسجلها السابق الذي شهد أعمالاً عدائية مماثلة أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
لكن عندما يصل الخطر إلى درجة تهديد الاقتصاد العالمي بأكمله فإن التحرك الدولي ضد هذا السلوك المتهور يجب أن يكون حازما وحاسما.. فالقوى الدولية المترددة في مواقفها تجاه النظام الإيراني وممارساته يجب أن تعي حقيقة أن هذا التردد سيترتب عليه نقلة نوعية في مستوى التهديد الإيراني.
هذا إلى جانب تهديداتها وتصريحاتها المستمرة بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر عبره ثلث صادرات النفط التي تنقل عبر البحار يومياً، والتي كان آخرها قبل أيام من الهجوم الإرهابي بطائرات بدون طيار الذي استهدف محطتي ضخ نفط تابعتين لشركة أرامكو بالرياض بعد أقل من بعد يومين من عمليات تخريبية استهدفت 4 سفن بينهما ناقلتا نفط سعوديتان قرب المياه الإقليمية للإمارات.
إن هذا السلوك الإيراني لم يكن مفاجئاً، بل يمكن الزعم أنه كان متوقعاً إلى حد كبير، ويبدو منطقياً بالنظر إلى سلوك النظام الإيراني الذي دأب على زعزعة أمن واستقرار المنطقة بالنظر إلى امتلاكه مشروعاً توسعياً متكاملاً يسعى للتمدد في المنطقة بجميع الطرق والوسائل غير المشروعة والدخول في تحالفات مذهبية، ودعم جماعات إرهابية، والتدخل في شؤون جيرانها والتآمر عليها وإذكاء نيران الصراعات الطائفية في المنطقة، لذا توقع كثير من الباحثين والخبراء والمراقبين خلال الأشهر القليلة الماضية أن تلجأ إيران إلى إجراءات تصعيدية هرباً من الضغوط الداخلية والخارجية عليها عبر القيام بعمليات عدائية تستهدف بها جذب الأنظار واستعراض القوة وترهيب دول الجوار من خلال استهداف ناقلات النفط الخليجية في المياه الإقليمية بعمليات إرهابية دون تبنيها رسميا، أو زرع ألغام بالخليج العربي أو إغراق بعض السفن بهدف تعطيل الملاحة، أو دفع وكلائها الإقليميين مثل جماعة الحوثي أو غيرها من المليشيات الإرهابية التابعة لها بتكثيف هجماتها تجاه المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية المتحدة، واستهداف بعض مناطق إنتاج النفط في دول الخليج، أو ضرب بعض المصالح الحيوية بهما، وغيرها من المحاولات البائسة لخلط الأوراق وإثبات أنها تملك أوراقاً للضغط قد تمكنها من إنقاذ الصفقة النووية التي توشك على الانهيار، كل هذا كان يبدو متوقعاً إلى حد كبير وربما يكون مرشحاً للتصاعد خلال الفترة المقبلة، وهنا يبقى السؤال: "هل الإدانات العربية والدولية الواسعة التي أعقبت الحادثين الإرهابيين الأخيرين كافية لكبح جماح هذا السلوك العدواني؟".
الإجابة بكل تأكيد لا، فمثل هذا السلوك لن تجدي تصريحات الشجب والإدانة سبيلاً لإيقافه أو منع تكراره، فلا بد من موقف دولي حاسم وآخر عربي لا يقل حسماً، عربياً لا بد من دعوة سريعة لعقد قمة طارئة واستثنائية يكون بندها الوحيد هو بحث التهديدات الإيرانية والخروج بموقف عربي موحد حول كيفية التصدي لها.
أما دولياً فالمسؤولية تبدو أكبر، فقد تغاضى المجتمع الدولي في أوقات كثيرة عن ممارسات إيرانية مزعزعة لأمن واستقرار المنطقة، ربما لأن الخطر الإيراني لم يكن يهدد بشكل مباشر مصالح القوى الدولية الفاعلة، وربما لأن بعضاً من هذه القوى كانت ترى أن تطبيع العلاقات مع إيران يشكل فرصة لا يجب تفويتها، لذا كانت حريصة على كسر عزلة إيران وإعادة إدماجها في المجتمع الدولي رغم ما كانت ولا تزال تشكله من خطر على جيرانها، وهو ما ساعد إيران على التمادي في غيها والتعدي على جيرانها.. لكن عندما يصل الخطر إلى درجة تهديد الاقتصاد العالمي بأكمله فإن التحرك الدولي ضد هذا السلوك المتهور يجب أن يكون حازماً وحاسماً.. فالقوى الدولية المترددة في مواقفها تجاه النظام الإيراني وممارساته يجب أن تعي حقيقة أن هذا التردد سيترتب عليه نقلة نوعية في مستوى التهديد الإيراني ولن يبقيه محصوراً في نطاقه الإقليمي وإنما سينقله إلى مستوى قد يشمل العالم بأسره بعد أن أثبتت أحداث هذا الأسبوع خطأ كل من راهن على أن إيران يمكن أن تعود عضواً طبيعياً في الأسرة الدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة