قصة الإيرانية المعتقلة بفرنسا.. اتهامات بالإرهاب وصمت مثير للشبهات

بعد شهر ونصف من الغموض، خرجت السلطات الفرنسية عن صمتها لتكشف عن تفاصيل مثيرة تتعلق بإيقاف مواطنة إيرانية في قلب مدينة ليون، في تطور يُنذر بتوتر دبلوماسي صامت بين باريس وطهران.
وبينما تصف باريس القضية بأنها ذات طابع قانوني صرف، تصرّ طهران على وجود دوافع سياسية وراء هذا الاعتقال، ما يثير تساؤلات حولها وهل نحن أمام قضية قانونية صِرفة أم حلقة جديدة من لعبة التوازنات بين باريس وطهران؟.
- اعتراف فرنسي محتمل بدولة فلسطينية.. نقطة تحول أم خطوة رمزية؟
- حال فشل مفاوضات «النووي».. فرنسا تحذّر من «مواجهة عسكرية» مع إيران
إيرانية متهمة بتمجيد الإرهاب
وأعلنت النيابة العامة في باريس، السبت، أن المواطنة الإيرانية مهديّة إسفنديار، البالغة من العمر 35 عامًا والمقيمة في ليون، قد وُضعت قيد التحقيق الرسمي وأُودعت السجن بتهمة تمجيد الإرهاب، وذلك بعد أن ظلت محتجزة في فرنسا منذ قرابة شهر ونصف.
وكانت السلطات الإيرانية قد طالبت فرنسا سابقًا بتوضيح أسباب اعتقالها، مطالبةً بـ"توضيح" رسمي حول دوافع التوقيف.
وأوضحت النيابة العامة أن التحقيق فُتح في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 من قبل القطب الوطني لمكافحة الكراهية على الإنترنت (PNLH) بشأن تمجيد الإرهاب علنًا عبر الإنترنت.
وتشمل التحقيقات أيضًا التحريض على الإرهاب عبر الإنترنت، والتشهير القائم على الأصل والدين، ورفض تسليم رموز فك قفل حسابات على منصات «إكس» وتليغرام.
بداية القصة من تليغرام
تعود جذور القضية إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين تلقت الوحدة المختصة بمكافحة الكراهية بلاغًا من وزارة الداخلية الفرنسية بشأن منشورات على حساب على تطبيق "تليغرام".
ووفقًا للنيابة، كان الحساب يمجّد الهجمات التي وقعت في إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويحرّض على الإرهاب ويسب الجالية اليهودية، بحسب مجلة "لوبوان" الفرنسية.
اختفاء غامض
واختفت إسفنديار في 28 فبراير/شباط من مدينة ليون، حيث كانت تعمل مترجمة للغة الفرنسية وتعيش في فرنسا منذ 2018.
ثم تبين أنها اعتُقلت في ذات اليوم واحتُجزت منذ 2 مارس/آذار في سجن "فرين" بمقاطعة فال دو مارن، بحسب تأكيد السلطات القضائية التي أعلنت رسميًا وضعها قيد التحقيق والحبس الاحتياطي بتهمة تمجيد الإرهاب.
وكانت قناة "فرانس إنفو" قد كشفت الخبر قبل يوم من إعلان النيابة، وأكدت باريس المعلومات لاحقًا.
رد طهران
وفي 17 مارس/آذار، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن طهران قد أُبلغت رسميًا بتوقيف إسفنديار.
وأضاف: "لا نعرف السبب الحقيقي، لكننا نعلم أن هذه السيدة المحترمة كانت ناشطة في دعم الشعب الفلسطيني، ويبدو أنها نشرت مقالات داعمة لسكان غزة المظلومين"، وفق ما صرح به إسماعيل بقائي، خلال مؤتمر صحفي أسبوعي.
من جانبه، اعتبر الصحفي المستقل شاهين حزامي عبر "إنستغرام"، إن إسفنديار أُوقفت بسبب منشورات على قناة تليغرام تندد بما وصفه بـ"الإبادة الجارية في غزة"، رغم عدم العثور على منشورات لها علنًا على "إكس" أو "تليغرام" تتحدث عن غزة أو فلسطين
وأشار حزامي إلى أن الملاحقة جاءت ضمن موجة توسيع تطبيق قانون "تمجيد الإرهاب" في فرنسا، خصوصًا بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لتشمل أي خطاب يُفسَّر كدعم لحركة حماس.
دلالات دبلوماسية
وتشير التفاصيل إلى أن حساب تليغرام محل التحقيق ينتمي إلى مجموعة ناشطة في نشر محتوى يبرر الإرهاب.
وتم توقيف شخصين من هذه المجموعة يوم 28 فبراير/شباط 2025، من بينهما مهديّة إسفنديار، التي وُضعت قيد التوقيف الاحتياطي.
كما يجري التحقيق معها أيضًا بتهم تحريض على الإرهاب، التمييز الديني والعنصري، ورفض إعطاء رموز الوصول إلى حساباتها.
اعتقالات سابقة
وتشبه قضية إسفنديار حالة بشير بيزار، المواطن الإيراني الذي أُوقف في فرنسا في يونيو/حزيران 2024، واعتُبر "عنصر تأثير" يعمل لصالح إيران، وتم ترحيله لاحقًا بحجة تهديده للنظام العام والمصالح العليا للدولة الفرنسية.
ورقة تفاوضية؟
وفي طهران، اعتبرت هذه التوقيفات بمثابة "أوراق تفاوضية" تستخدمها باريس ضد إيران، خاصة في ظل وجود 3 مواطنين فرنسيين محتجزين تعسفيًا في طهران، بحسب شبكة "سي.نيوز" الفرنسية.
لكن قضية مهديّة تبدو أكثر حساسية بسبب غياب أي تصريح رسمي فرنسي حولها، وصمت وزارة الخارجية الإيرانية عن المطالبة بإطلاق سراحها، فيما يشبه محاولة الحفاظ على غطاء دبلوماسي هادئ.
وفي 7 أبريل/نيسان، صرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده تتابع الملف عن كثب عبر السفارة في باريس والسفارة الفرنسية في طهران، معربًا عن أمله بأن تُمنح إسفنديار حق الوصول القنصلي وأن يتم توضيح أسباب اعتقالها بشكل شفاف.
رهائن فرنسيين في طهران
وتتقاطع قضية إسفنديار مع حالات الفرنسيين المعتقلين في إيران، وتحديدًا سيسيل كوهلر وجاك باريس، اللذين تم توقيفهما في مايو 2022 أثناء زيارة سياحية لطهران، بتهمة التجسس، ولا يزالان محتجزين في سجن إيفين تحت ظروف قاسية منذ أكثر من 1070 يومًا، دون محاكمة أو السماح لهم بمقابلة محامٍ.
وفي 2 أبريل/نيسان الجاري، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أن بلاده سترفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية بسبب "الانتهاكات غير المقبولة" بحق الرهينتين.
ورغم تشابه التوقيت والسياق، لا يوجد حتى الآن دليل رسمي يربط بين اعتقال إسفنديار وقضية الرهائن الفرنسيين في طهران، وإن كانت بعض التحركات السياسية توحي بإمكانية استخدام هذه القضايا كورقة ضغط متبادلة.
aXA6IDMuMTMzLjEwMC4xOTUg جزيرة ام اند امز