العراق 2020.. رجل المخابرات يحاول إعادة هيبة الدولة
عاش العراق الشهور الـ5 الأولى من عام 2020 شغوراً حكومياً غطته حكومة تصريف الأعمال برئاسة المستقيل عادل عبدالمهدي حتى 7 مايو/أيار.
وبعد اعتذار عدنان الزرفي وقبله محمد علاوي عن تشكيل الحكومة، جاء رئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي، مرشحًا لرئاسة الوزراء وبتكليف رسمي في الأول من أبريل/نيسان.
وآنذاك، أبدت قوى وفصائل شيعية ذات أجنحة مسلحة اعتراضها على شخصية رئيس الوزراء الجديد، متهمة إياه بالقرب من واشنطن والبعد عن طهران.
وجاء الكاظمي على أنقاض حكومة عبد المهدي التي اضطرتها الاحتجاجات الشعبية "الدامية" التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى مغادرة القصر وتغيير الطبقة الحاكمة؛ احتجاجاً على الفساد وفقدان فرص العيش وتفشي السلاح المنفلت.
فكان الكاظمي أحد أهم إفرازات الحركة الاحتجاجية لمظاهرات تشرين الأول.
كما أنه رئيس الوزراء الأول من نوعه الذي يدخل الكابينة الحكومية من خارج الأسوار الحزبية، حيث أبدت أوساط شعبية وسياسية على الصعيدين الداخلي والدولي ترحيباً كبيراً بذلك الاختيار.
مهمة رجل المخابرات ورئيس السلطة التنفيذية ما بعد مايو/أيار 2020، ترتكز على ترميم الجدار من الفساد والتخريب وهدر الأموال وإعادة هيبة الدولة.
فيما شغل ملفا الكشف عن قتلة "متظاهري أكتوبر" وتحديد موعد الانتخابات المبكرة، الركنين الأساسيين في أجندة سيد القصر الجديد.
ومع قرب إسدال الستار على عام 2020، تستعرض "العين الإخبارية" أهم الأحداث والتفصيلات التي رافقت وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء وأصداء ذلك التغيير على المشهد السياسي والحكومي.
إعادة هيبة الدولة
وفي أول خطاب متلفز، بعد يومين على منحه الثقة من قبل البرلمان العراقي مايو/أيار الماضي، تعهد الكاظمي بحصر السلاح بيد الدولة واستعادة سطوة القانون، فضلاً عن التهيئة للانتخابات المبكرة وإيجاد حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية.
وفي 26 يونيو/حزيران، اختار رئيس الوزراء الجديد الدخول في مواجهة مباشرة مع فصائل مدعومة من إيران متهمة بتنفيذ هجمات "الكاتيوشا" على المنطقة الرئاسية المحصنة ببغداد التي تضم السفارة الأمريكية.
جاء ذلك عبر عملية اقتحام لمقر تابع لمليشيا "كتائب حزب الله"، في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، نفذت من قبل قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، أسفرت عن اعتقال 14 عنصراً .
أعقب تلك الحادثة تحرك حكومي عسكري في الـ11 من يوليو/تموز، الماضي، لاسترداد المنافذ الحدودية جنوب وشرق العراق من سطوة المليشيات المسلحة، ضمن ما سميت بحرب "الأشباح".
جولات خارجية
فيما ترافق مع تلك الإجراءات الحكومية، تحركات خارجية على مستوى العلاقات الدولية بدأها الكاظمي بأول جولة في يوليو/تموز، شملت طهران والرياض، فيما أرجأت الأخيرة بسبب وعكة صحية دخل على أثرها العاهل السعودي إلى المستشفى.
أعقبها جولة ثانية، في أغسطس/آب حطت رحالها في العاصمة الأمريكية واشنطن، التقى خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث أكد أنه لن يلعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، ولن يكون ساعي بريد.
ولم تقف محطة الكاظمي عند حدود واشنطن وطهران وإنما تبعها سلسلة زيارات أخرى شملت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، سعى من خلالها تعزيز أطر التعاون في جوانب الأمن والاقتصاد، فضلاً عن البحث في إيجاد ممرات آمنة للعودة بالعراق إلى الحاضنة الدولية والإقليمية.
هذه التحركات، تناولتها مواقف شتى، اتسم بعضها بالقبول والترحيب ببناء علاقات ومصالح مشتركة على أساس مصلحة الوطن، فيما ذهب الآخر إلى الرفض والتشكيك خشية أن تنعكس تلك التطورات سلباً على تراجع النفوذ الإيراني في البلاد.
ضحايا المظاهرات
في تلك الأثناء، كان ذوو ضحايا المظاهرات الأكبر في تاريخ العراق الحديث، ينتظرون الكشف عن الجناة والجهات التي تقف وراءهم بعد توجيه الاتهامات إلى فصائل مليشيات مرتبطة بإيران عرفت بجماعات "الطرف الثالث".
وبعد 10 لجان تم تشكيلها على مدار 9 أشهر، أعلنت السلطات العراقية في نهاية يونيو/حزيران عن إحصائية بـ565 قتيلاً وأكثر من 3 آلاف مصاب خلال مظاهرات أكتوبر.
تبعها بعد ذلك بيوم واحد، تحديد الـ6 من يونيو/حزيزان 2021، موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وتأكيد التزام الحكومة بتوفير المتطلبات اللوجستية والفنية لتحقيق عملية ديمقراطية نزيهة وممثلة لأصوات الناخبين.
القصاص للنشطاء
وفي 23 أغسطس/آب، تعهد رئيس الوزراء العراقي بمعاقبة قاتلي النشطاء في العراق، مؤكدا أنه سيجعل منهم "عنوانا للعدالة".
ويشهد العراق اغتيالات متواترة استهدفت نشطاء وباحثين، فيما توجهت أصابع الاتهام الشعبي إلى مليشيات طهران بالبلاد، ممن تسعى لاستهداف كل مناوئ أو منتقد لوصايتها على القرار العراقي.
وقال الكاظمي إن السلاح المنفلت والمشكلات العشائرية غير مقبولة، ويجب أن يكون هناك عمل استباقي، فالتجاوز وخرق القانون والجريمة لا يمكن أن التعامل معها بشكل عابر.
وأكد على أنه "لا مكان للخائفين داخل الأجهزة الأمنية، ولا مجال للخوف لمن يعمل من أجل العراق"، مؤكدا أن "من يخطئ ومن يخفق لن يبقى في مكانه، وستتم محاسبته وفق القوانين الانضباطية".
كما شدد على رفض "أي شكل من أشكال التدخلات السياسية في العمل الأمني".
تغييرات وزارية ومواجهة الفساد
وفي مطلع سبتمبر/أيلول، قرر الكاظمي تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد.
وأسند رئيس الحكومة لجهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة، التي تتألف من 3 أعضاء من أجهزة المخابرات والأمن الوطني والنزاهة .
ويشكل الفساد أزمة أساسية في نهوض العراق طوال السنوات الماضية رغم حجم الثروات التي يمتلكها، كما تسببت عمليات إهدار المال العام وطرق غسل الأموال في إفلاس موازنة العراق السنوية، والاقتراض الداخلي والخارجي لتوفير رواتب الموظفين في المؤسسات الحكومية .
ويرى مراقبون أن قرار الكاظمي الزج بجهاز مكافحة الإرهاب في واجهة التصدي لمنظومة الفساد، يعد بمثابة إعلان الصدام المباشر مع مليشيات السرقة والنهب التي عاثت في البلاد فسادا منذ 18 عاماً .
وفي منتصف الشهر ذاته، أجرى رئيس الوزراء العراقي "تغييرات كبيرة" في عدد من المناصب الحكومية.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء العراقية، فإن الكاظمي أجرى عدة تغييرات في عدد من المناصب في أجهزة اقتصادية وأمنية على رأسها جهاز المخابرات بتعيين خالد العبيدي وكيلا لشؤون العمليات، وفالح يونس حسن وكيلاً لجهاز الأمن الوطني، إضافة إلى اختيار مصطفى غالب محافظاً للبنك المركزي.