السلاح المنفلت في "الحبوبي".. تهديد "مبكر" لانتخابات العراق
أحداث دموية شهدتها ساحة "الحبوبي" بمدينة الناصرية العراقية كشفت طبيعة المزاج الشعبي، وحظوظ التيارات الإسلامية بالانتخابات المقبلة.
رصاص منفلت حصد أرواح محتجين، واستبطن استعراضا معتادا للقوة والقواعد الجماهيرية، في وقت يتأهب فيه العراق لإجراء انتخاباته التشريعية في يونيو/حزيران المقبل.
سلاح يحذر خبراء من أنه سيكون عائقا أمام إجراء اقتراع نزيه يحقّق الهدف المنشود منه، وهو إحداث نقلة سياسية تستجيب لمطالب الشارع التي رفعها في حراكه.
دعاية انتخابية مبكرة
رغم أن إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المعلن عنه من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل 3 أشهر، لا يزال محل جدل، إلا أن بعض الأحزاب بدأت التحضير للاقتراع والترويج مبكراً لنفسها.
وعلى ما يبدو، فإن التيار الصدري الذي تضاربت مواقفه من العملية السياسية منذ عام 2005، يحاول استباق الآخرين بتصدير نفسه لرئاسة الوزراء وحصد الأغلبية النيابية، في وقت يرى فيه محللون أن المشهد العراقي اختلف كثيرا بعد احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019.
والجمعة الماضية، أسفرت اشتباكات بين أنصار مقتدى الصدر ومحتجين في مدينة الناصرية، يرابطون منذ عام في ساحات التظاهر، عن مقتل 7 أشخاص وإصابة العشرات.
وجاءت تلك الأحداث على خلفية محاولات إزالة خيم المعتصمين، بذريعة أداء صلاة جماعية دعا لها التيار في عدد من محافظات الجنوب والوسط فضلاً عن العاصمة بغداد.
ويعتبر مراقبون أن ممارسة شعيرة صلاة الجمعة كانت بمثابة دعوة انتخابية مبكرة من قبل التيار الصدري، أراد من خلالها إظهار حجم قاعدته الجماهيرية، وتحريك مناصريه وأتباعه نحو أهمية المشاركة وتوحيد الصفوف في الانتخابات المقبلة.
تأثير السلاح
الناشط المدني العراقي علي حميد، يرى أن "الحركات الاحتجاجية كانت مرغمة على فسح المجال أمام ما يعرف بالقبعات الزرق (مجموعات تابعة للتيار الصدري)، وخصوصاً ما شهدته تظاهرات أكتوبر عام 2019".
وأضاف حميد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "أنصار الصدر سرقوا الحركة الاحتجاجية تحت تأثير السلاح وسطوة جمهورهم الواسع".
واستعرض وقائع شهدتها احتجاجات أكتوبر، والدور الذي لعبه أنصار الصدر في توجيه تلك التظاهرات، معتبرا أن "المرحلة اقتضت حينها اعتماد هؤلاء الأتباع لحماية المتظاهرين من بنادق الطرف الثالث، وعمليات الاغتيال التي استهدفت أبناء أكتوبر (المحتجين)".
وخلال احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019، وجه مقتدى الصدر أنصاره بارتداء قبعات زرق للنزول إلى ساحات الاحتجاج، وحماية المتظاهرين على خلفية وقوع عدد من القتلى والجرحى، بعد أيام على انطلاق الحراك.
اختطاف المشهد
وبالعودة إلى حادثة الحبوبي والأسباب التي حركت مجرى الاصطدامات مجدداً في ساحات التظاهر، يؤكد المحلل السياسي ناصر حسين أن "القوى السياسية المتنفذة والمتحكمة منذ نحو عقدين، تدرك جيداً أن إفلاسها الجماهيري بات واضحاً ومفضوحاً أمام الجميع".
وأضاف حسين، لـ"العين الإخبارية"، أن ما تقدم جعل تلك القوى تحاول "اختلاق الأزمات وتدليس الحقائق للعودة مجدداً برصيد انتخابي كبير".
ووفق المحلل السياسي، فإن ما جرى مؤخراً في محافظة ذي قار وواسط، جنوبي العراق، "يشكل محاولة من قبل تيار الصدر لاختطاف المشهد وحصد ثمار مزاعم الإصلاح ومناصرة متظاهري أكتوبر، بغية استثماره في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بعد نحو 7 أشهر".
وتابع حسين: "الشعب العراقي بات، عقب الدماء التي سالت في التظاهرات، أكثر نضجاً ووعياً، ولن تنطلي عليه الأكاذيب ووعود الساسة التي غالبا ما تنتهي وتذوب بعد الفوز بالانتخابات".
ومستدركاً بالقول: "لن تفلح تلك الأحداث ومحاولات الترهيب والقتل في تغيير بوصلة الناخب وتشتيت خياراته الوطنية".
السلاح والانتخابات
من جانبه، يرى مدير مرصد "حقوق"، أحمد رحمان، أن الأحداث الأخيرة كشفت عن مشهد مقتضب من واقع الانفلات في العراق، بعد أن سقط العشرات بنيران أسلحة لا تنتمي إلى الدولة.
وحذر رحمان، في حديث لـ"العين الإخبارية"، من أن بقاء "بنادق المليشيات خارج سيطرة السلطات الأمنية، ينذر بإجهاض الانتخابات والتأثير على حرية الناخب".
وتطورت مجريات الأحداث، عشية الجمعة الماضية، بعد أن امتد الغليان إلى عدد من محافظات الوسط والجنوب، بينها واسط وذي قار، احتجاجاً على سقوط القتلى والجرحى في واقعة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، مما استدعى فرض حظر للتجوال بغية احتواء الأوضاع.
وحتى الإثنين، زحف مئات المحتجين من محافظات عدة، نحو مدينة الناصرية، للمشاركة في تظاهرات احتجاجية جاءت عقب الإعلان عن وفاة أحد الجرحى متأثراً بجراح أصيب بها في اشتباكات الحبوبي.