أرى أن الاحتجاجات العراقية تحتاج لقيادة استراتيجية لا طائفية تعي لعمق هذا التحرك وأبعاده وماذا تحتاج البلاد ومن هو عدوها الحقيقي
ما يحدث في العراق ليس ميلاد أزمة بل هي مرحلة نضج أزمة أو بمعنى أوضح هي مرحلة انفجار أزمة وتعتبر من أخطر مراحلها إذ تتطور من حيث الحدة والجسامة نتيجة سوء التخطيط أو ما تتسم به خطط المواجهة من قصور أو إخفاق، فعندما يكون متخذ القرار على درجة كبيرة من الجهل والاستبداد برأيه أو اللامبالاة، فإن الأزمة تصل إلى مراحل متقدمة حيث تزداد القوى المتفاعلة في المجتمع التي تغذي الأزمة بقوى تدميرية بحيث يصعب السيطرة عليها ويكون الصدام في هذه المرحلة محتوما.
يجب أن تكون هناك استراتيجية عمل توازي قوة النفوذ الإيراني، استراتيجية تجمع القوى الوطنية الداخلية وتعي لحاجة الحليف الخارجي الموثوق، حتى تتحقق النتائج ويعود العراق إلى الحضن العربي.
لذلك أرى أن الاحتجاجات العراقية تحتاج إلى قيادة استراتيجية عراقية لا طائفيه تعي لعمق هذا التحرك وإبعاده وماذا يحتاج العراق ومن هو عدوه الحقيقي ونوع القوى المؤثرة على المشهد العراقي التي لا يعنيها سوى مصلحة تحقيق أجنداتها الإرهابية التوسعية فقط، حتى لو كان المقابل تدمير دول وتفتيت مجتمعات وتشريد ملايين من البشر.
ولدت الأزمة العراقية الحالية فعلياً في عام 2003 عندما باركت إيران الغزو الأمريكي للعراق، كان الغزو بمثابة الباب الكبير الذي فتح لإيران المجال بزرع نفوذها في مفاصل الدولة ومؤسساتها بعد التفكك الذي أصاب البلاد بعد الاحتلال. ولكن الأطماع الإيرانية في العراق لم تكن وليدة للحظة الغزو الأمريكي بل هي أطماع تاريخية ارتبطت بالدولة الفارسية القديمة في معتقدها أن بلاد الرافدين امتداد استراتيجي طبيعي لها، أطماع تاريخية نتج عنها خلافات مستمرة على مر العصور ولعل ذروتها كانت في عام 1979 بوصول الثورة الإسلامية الإيرانية إلى الحكم في طهران، إذا اندلعت بعدها بعام واحد حربها مع العراق التي استمرت١٠ أعوام.
إيران بانقضاضها على العراق لعبت على وتر الطائفية، وحرصت كل الحرص على جعله في صورة المحرك الأساسي الذي تتعامل به مع الشارع العراقي، قامت بالعمل على كسب ولاءات شيعية حتى يتصور لدى أصحاب المذهب الشيعي أنهم أصحاب امتياز ولكن في الحقيقة أن المذهبين الشيعي والسني تحت وطأة الظلم الإيراني بأبشع الصور، ومن يعمل في مؤسسات الدولة ومفاصلها ليسوا إلا وكلاء للنظام الإيراني، وعملت إيران كذلك على السيطرة على الشارع العراقي من خلال كسب ولاء مرجعيات وتيارات تغذي الأوساط الشيعية بالفكر الطائفي حتى تسهل عملية النفوذ الإيراني.
لعل تصريح مرشد الثورة الإرهابية علي خامنئي تؤكد سياسته في العراق من خلال تعليقه الأخير على المظاهرات العراقية "إن إيران والعراق شعبان ترتبط أجسادهما وقلوبهما وأرواحهما بوسيلة الإيمان بالله وبالمحبّة لأهل البيت وللحسين بن علي" ما يقوم به إبادة كل من يعارض استمرار الوجود الإيراني مع تغذية طائفية مذهبية لمن يشكك بوجوده.
ما قامت به إيران من تحركات سياسية وعقائدية وعسكرية آخرها السيطرة بشكل كامل على الحشد الشعبي التي تشير التقارير إلى أنه أصبح إيرانياً خالصاً ما هي إلا أدوات ومؤشرات يجب أن يعيها الشعب العراقي الذي سئم من وهم الاحتواء الإيراني المبني على المذهبية والطائفية والشعارات الكاذبة. ولكن على الشعب العراقي يعي حقيقة القوى المؤثرة على المشهد وعليه أن يجد القوى الوطنية العراقية لإدارة حراكه بشكل استراتيجي ضد النفوذ الإيراني حتى يكون لحراكه نتائج حقيقية، النفوذ الإيراني صنع في سنوات عمل من خلال خطف عمق العراق لا يمكن أن يسقط بحراك شعبي يحسب كردة فعل على سوء حال، يجب أن تكون هناك استراتيجية عمل توازي قوة النفوذ الإيراني، استراتيجية تجمع القوى الوطنية الداخلية وتعي لحاجة الحليف الخارجي الموثوق، حتى تتحقق النتائج ويعود العراق إلى الحضن العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة