قمة جوار العراق.. هل تنجح طاولة بغداد في فرز جيرانها؟
يستعد العراق لبسط طاولة حوار إقليمية برعاية دولية نهاية الشهر الحالي، بعد توجيه عدد من الدعوات ورسائل الحضور لملوك ورؤساء بعض الدول لحضور مؤتمر "بغداد".
ويأتي ذلك التحرك في وقت تعيش بغداد تحولات كبيرة عقب قرار انسحاب القوات القتالية الأمريكية من العراق بنهاية العام الحالي، فضلاً عن استحقاقات مصيرية تتمثل بالانتخابات التشريعية المبكرة التي من المزمع إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ويصف مراقبون للشأن السياسي وبعض القوى النيابية، مساعي الكاظمي في جمع تلك الدول عن العاصمة بغداد، بأنها خطوة مهمة تصب في مصلحة العراق ودول المنطقة.
كانت حكومة الكاظمي وجهت خلال الأيام القليلة الماضية دعوات رسمية لأكثر من 6 دول بينها المملكة العربية السعودية والكويت والمملكة الأردنية الهاشمية.
ولن يقتصر ذلك على الحضور العربي الإقليمي والخليجي، فقد ذهبت إحدى تلك الدعوات إلى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي تفاعل بشدة مع ذلك الأمر وأكد أهمية مثل تلك الخطوات في تعزيز وإرساء عوامل الاستقرار إقليميا ودولياً.
حصن العراق ضد الرغبة الإيرانية
وكشف مصدر حكومي مقرب، اليوم الإثنين، عن تفاصيل قمة قادة دول الجوار المقررة أن تعقد في العاصمة بغداد بنهاية الشهر الحالي.
وقال المصدر، لـ"العين الإخبارية"، إنه "من المقرر أن تعقد القمة في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من الشهر الحالي، ولم يتأكد ذلك بعد".
فيما أشار إلى أن "القمة قد تؤجل بناء على مواعيد والتزامات قادة الدول الذين وجهت لهم دعوات الحضور".
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن هنالك دعوات وجهت إلى رؤساء دول عربية وأوروبية.
وأكد الهنداوي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي حمل عددا من الوزراء رسائل لدعوة قادة ورؤساء بعض الدول"، لافتاً إلى أن وزير التخطيط نجم البتال كلف رسمياً بتوجيه دعوة الحضور إلى الجانب الكويتي".
وشهد العراق منذ وصول الكاظمي، إلى رئاسة الوزراء في مايو/أيار 2020، تحركاً حثيثاً للعودة بالعراق إلى الحاضنة الخليجية والعربية، بعد تعثر في طبيعة العلاقات ومستويات التمثيل الدبلوماسي طوال 18 عاماً.
وأجرى الكاظمي خلال الشهور الماضية، جولات خارجية باتجاه المحيط الخليجي والعربي والمنطقة الأوربية.
وأسفرت تلك الخطوات عن قبول ورضا إقليمي ودولي انعكس على مستوى العلاقات الخارجية ومستويات الدعم.
عودة عراقية آمنة
يقول المحلل السياسي، عبد الأمير المجر، إن "الكاظمي اعتمد صيغا جديدة على المستويين الداخلي والخارجي في إعادة تعريف المؤسسات وصياغة علاقة الدولة بالمحيط الدولي".
فعلى على المستوى الداخلي، كما يقول "المجر"، جاء رئيس الوزراء بإصلاحات اقتصادية تمثلت بالورقة البيضاء وكذلك تحصين الدولة من نفوذ المليشيات ومحاربة منافذ الفساد.
فيما جاء المسار الخارجي، بالتحرك نحو الأفق العربي والحاضنة الخليجية التي ظل العراق بعيداً عنها حتى الأمس القريب.
ويلفت "المجر"، إلى أن "تلك الخطوات لابد أن تسيير باتجاهات متوازية ومتزامنة حتى يتحقق المنشود من المساعي التي تقصدها حكومة الكاظمي".
ويضيف المجر ، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "مؤتمر دول الجوار يأتي مكملاً لتلك الخطوات التي سارت بها حكومة الكاظمي منذ عام، بغية تحقيق عودة عراقية آمنة وأكثر ثبات وفاعلية نحو الفضاء الدولي وتحديداً الخليجي منها".
ويستدرك بالقول: "العراق لديه مشاكل كبيرة وجوهرية مع تركيا وإيران وليس هنالك مصلحة لعودة العراق قوياً إلى المجتمع الدولي سوى الدول العربية والخليجية على وجه التحديد وبالتالي يفترض من ذلك المؤتمر الاستفادة بقدر الإمكان تمتين تلك الروابط ودك أساساتها بشكل لا يخشى عليه".
لذا باتت دعوة الخليج والمحيط العربي خلال ذلك المؤتمر المقرر انعقاده نهاية الشهر الحالي أمرا مفروغا منه ولا مناص عن تجاوز ذلك لكون أن المرحلة التأسيسية التي بدأها الكاظمي تقتضي وجودا عربيا خليجيا في العراق يمنع محاولات إيران الحثيثة لابتلاعه بالكامل، كما يرى المحلل السياسي عبد الأمير المجر.
اتفاقية سلام بتوقيع بغداد
يرى المحلل السياسي ، علي الكاتب، أن العراق وبفعل تخلخل موازين البناء والاستقرار السياسي بات وطيلة العقدين الماضيين، أرض صراع مستأجرة بين خصوم إقليميين ودوليين، مما جعل البلاد في حال تراجع وشلل شبه كامل على مختلف الجوانب الحيوية.
لذا فإن العراق الغني بالموارد الطبيعية والبشرة دفع فاتورة باهظة الثمن على حساب ارتفاع مستويات الفقر والبطالة والافتقار إلى أبسط ما تتطلبه صناعة الحياة في أي أمة او مجتمع، بحسب الكاتب.
ويستدرك بالقول: "المرحلة الآنية تفرض تقديم المصلحة الوطنية والتخلي عن القرارات التي تبنى على أساس التمذهب والولاء الاثني والعقائدي، وهو ما تمثل ذلك بشكل جلي في فلسفة الدولة في حقبة رئيس الوزراء الكاظمي الذي تجرأ وبشجاعة على تدوير بوصلة العراق نحو فضاء المصالح والتوازنات المستقرة".
ويبين الكاتب في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "مؤتمر دول الجوار فرصة لتبيان المواقف ودعوة للتفاهم على طاولة أساسها احترام سيادة العراق بدفع الصراعات الدولية عن أرضه".
وبشأن الملفات التي ستكون حاضرة في قمة دول الجوار، يتوقع الخبير الأمني رحيم الشمري، أن يكون "الأمن العراقي وقدرته على تأمين مصالحه القومية الورقة الأساسية لذلك المؤتمر باعتبار أن الضعف في ذلك المجال قد سمح بإحالة البلاد إلى مستنقع للصراع الدولي".
ويلفت الشمري إلى أن "هنالك نقاطا وموضوعات عميقة لم تعالج في العراق من بينها الإرهاب الذي ما يزال يشكل تحدياً لاستقرار وأمن البلاد وهذا ما يتطلب أن يكون مطروحاً وبقوة على طاولة الحوار لقادة دول الجوار".
ويشدد الشمري، على ضرورة عدم الاقتصار على جانب الأمن القومي فقط وإنما يجب أن يتم طرح رؤية شاملة جامعة تعالج الملفات السياسية والاقتصادية والتنموية التي يعانيها العراق، بوضع التصورات وفرص الحلول الممكنة أمام أنظار المجتمع الإقليمي والدولي.
ويرهن الشمري، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، نجاح مؤتمر قادة دول الجوار بطبيعة التوصيات التي يخرج بها ومدى التزام الحاضرين بنود تلك التفاهمات.
ويتوقع الخبير الأمني، أن "ينبثق خلال ذلك الاجتماع توقيع اتفاقية سلام دولية ستكون جميع الأطراف معنية فيها".