الذي يميز "إدارة التوحش" عن بقية مراجع الجماعات الجهادية والتكفيرية هو ما يحويه الكتاب من مبادئ لعلم الإدارة
"ليس كل قائد مديرا وليس كل مدير قائدا.. نريد أن نحولها إلى كل قائد مدير وليس كل مدير قائدا".
هذا الاقتباس ليس من كتاب مبادئ علم الإدارة وليس من نشرة هارفرد بنزنس ريفيو، وإنما من كتاب (إدارة التوحش) للمدعو أبوبكر ناجي، الكتاب الذي يعتبر أهم المراجع الدموية التي استندت إليها داعش في فكرها الأيديولوجي وعملها التنظيمي.
هذه المؤشرات تنبئ بأن الإرهاب ماضٍ في عملية التأقلم والتطور، وأن مكافحته تستلزم نظرة شمولية تراعي الشكل الحديث الذي وصلت إليه هذه التنظيمات.
الذي يميز "إدارة التوحش" عن بقية مراجع الجماعات الجهادية والتكفيرية هو ما يحويه الكتاب من مبادئ لعلم الإدارة التي تتيح للمنظمة الإرهابية الاستفادة القصوى من مواردها المالية والبشرية التي تكون غالباً محدودة، مستغلةً ندرة منهجيات مكافحة الإرهاب والتطرف المنطلقة من علم الإدارة، الذي يعتبر أهم أدوات نجاح المؤسسات العامة والشركات الخاصة، ووسيلة جديدة تستخدمها الجماعات الإرهابية لكسب العقول والقلوب.. وكذلك الجيوب!
لا تكتفي جماعات التطرف العنيف اليوم بإثارة الحشود وإنما تدخل "سوق التجنيد" منافسة نظيراتها من التنظيمات، ومثاله ما حدث بين داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة (هيئة تحرير الشام) خير دليل على شراسة هذه المنافسة، فكل منهما وضع شبكات تهريب المقاتلين عبر الحدود التركية وبرامج تدريبية نظرية وبدنية، والأهم من ذلك سياسة الرواتب والمكافآت المالية والخدمات الطبية والتعليمية والخدمات اللاحقة للمصابين وذوي القتلى التي تدخل ضمن "إدارة السمعة" فالتنظيم الأقوى سمعة حاله من حال الشركة ذات السمعة الأكبر التي لها يسيل لعاب المتقدمين للوظائف.
وعند التجنيد "التعيين" تختار كل منظمة مقاتليها بناء على أمرين، الأول: قدرات ومهارات المُجند والثاني: رغبة المُجند في القتال.
وكلما تعلّق قلب المُقاتل بالأمور المادية من أموال ومخصصات وغنائم ترجح انتقاله لتنظيم آخر يقدم له قطعة أكبر من الكعكة، لذا تحرص مثل هذه المنظمات على تثبيت أيديولوجيا أحادية يقتنع بها المقاتل بأن جماعته هي الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية أو هم الغرباء وأنهم الطريق الأقرب إلى الله وجنته، وبذلك تعزز مثل هذه التنظيمات "الولاء المؤسسي" بين منتسبيها.
ونجد أيضاً "لائحة انضباط داخلية" تتحكم في الحياة اليومية لمقاتلي التنظيم، وقائمة مخالفات وعقوبات مستخدمة اسم "الشريعة الإسلامية" لشرعنة هذه اللائحة التي لا يُراد بها سوى السيطرة المباشرة على المُقاتلين وتعزيز حضور المنظمة وتثبيت أركانها، فمخالفة أوامر "أمير الجبهة" تستدعي عقوبة الموت في حين تطبق حدود وعقوبات رخوة على من خالف أوامر الله.
هذه المؤشرات تنبئ بأن الإرهاب ماضٍ في عملية التأقلم والتطور، وأن مكافحته تستلزم نظرة شمولية تراعي الشكل الحديث الذي وصلت إليه هذه التنظيمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة