إيران تشعر أنها أمام استحقاق انتخابي أكثر من العراقيين أنفسهم، وتحديداً بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
رحبت إيران في وقت سابق بنتائج الانتخابات البرلمانية في لبنان بعد أن فقد تيار المستقبل ثلث مقاعده، وحصد «حزب الله» وحلفاؤه في «حركة أمل» -المنضوية معه في تحالف تاريخي- وتيار عون الوطني الحر على أكثر من نصف المقاعد البالغة 128 مقعداً، بينما تراقب من قريب وليس من بعيد ما تسفر عنه الانتخابات التشريعية العراقية اليوم وسط تنافس حزبي غير مسبوق؛ لاختيار 329 عضواً في مجلس النواب الذي بدوره ينتخب رئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية، حيث بلغ عدد المرشحين 6986 مرشحاً ينتمون إلى 88 قائمة انتخابية، و205 كيانات سياسية شكلت 27 تحالفاً.
صحيح أن تداعيات الاتفاق النووي الإيراني ستلقي بظلالها على الانتخابات العراقية الحالية، ولكن الناخب العراقي تجاوز الوعي السياسي إلى حالة من النضج في التعبير عن إرادته، ولن يرضى أن يكون تابعاً، وسيبقى عربياً مستقلاً موحداً وهو الأهم
إيران تشعر أنها أمام استحقاق انتخابي أكثر من العراقيين أنفسهم، وتحديداً بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، حيث ترى أن مشروعها وإن كان عميقاً في لبنان، إلا أنه أمام تحالفات منقسمة في العراق؛ على الأقل بعد تصريح المرجع الشيعي علي السيستاني بضرورة عدم السماح للتدخل الخارجي بالانتخابات التشريعية المقبلة، ومعارضته عودة المسؤولين الذين بددوا المال العام إلى السلطة - في إشارة إلى نوري المالكي - وأن يكون التنافس بين الكتل السياسية على برامج اقتصادية وخدمية وليس الشحن الطائفي والقومي والشخصنة، وهو ما لا تطيقه إيران، ولا تتحمّل تداعياته.
الانتخابات التشريعية تعد الأهم والأبرز في تاريخ العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث فلول الإرهاب الداعشي تم القضاء عليها إلى حد كبير جداً، كما أن التصويت على استقلال كركوك لم يتحقق بفرض الأمر الواقع، إضافة إلى أن الناخب العراقي وصل إلى حد اليقين في أن يكون صوته هذه المرة حرباً على الفساد والمفسدين.
إيران لم تعجبها لغة السيستاني، وهو ما جعلها ترمي بثقلها مع تحالف شيعي جديد يشارك للمرة الأولى في الانتخابات، وهو تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري قائد مليشيا الحشد الشعبي، مع الاحتفاظ بأوراقها داخل القوى الشيعية التقليدية، وأهمها تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، وتحالف سائرون نحو الإصلاح بزعامة مقتدى الصدر، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم.
التنبؤ في العراق يبدو صعباً هذه المرة؛ فإن كان هادي العامري رئيساً للوزراء العراقي المقبل فإن إيران ستأخذ العراق للقتال إلى جانبها في سوريا، وإن كان نوري المالكي - وهو أمر مستبعد إلى حد كبير ما لم تحدث مفاجأة - فإن إيران ستعوض خسائرها من الاتفاق النووي على حساب العراق، وإن كان حيدر العبادي - وهو الأقرب والأوفر حظاً - فيعني أن نفوذ إيران بدأ ينحسر بفعل العامل الاقتصادي الذي يراهن عليه العبادي خاصة مع دول الجوار.
صحيح أن تداعيات الاتفاق النووي الإيراني ستلقي بظلالها على الانتخابات العراقية الحالية، ولكن الناخب العراقي تجاوز الوعي السياسي إلى حالة من النضج في التعبير عن إرادته، ولن يرضى أن يكون تابعاً، وسيبقى عربياً مستقلاً موحداً وهو الأهم.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة