«امتصاص غضب أمريكا».. هل تأخر «حزب الله» العراقي؟
إعلان كتائب "حزب الله" العراقي تعليق عملياتها ضد القوات الأمريكية يستهدف امتصاص غضب واشنطن، في خطوة استباقية لكنها قد تكون متأخرة.
هذا ما يذهب إليه محللون ممن يرون أن قرار الكتائب يختزل تحركا في شكل "مناورة جديدة" كخطوة استباقية لتخفيف حدة ومستوى وشكل "الرد الانتقامي" الأمريكي المرتقب على "هجوم الأردن".
وفي بيان صدر الثلاثاء، قالت كتائب حزب الله بالعراق إنها تعلن "تعليق العمليات العسكرية والأمنية" ضد القوات الأمريكية، وأرجعت الهدف من قرارها إلى "عدم إحراج الحكومة العراقية"، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".
وجاء القرار بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه اتخذ قرارا بشأن كيفية الرد على مقتل ثلاثة جنود في هجوم بطائرة مسيّرة، الأحد، استهدف القوات الأمريكية في الأردن، الأمر الذي من المرجّح أن يتخذ شكل "عدّة" عمليات انتقامية.
ورداً على سؤال بشأن إيران، قال الرئيس الأمريكي "أنا أحمّلهم المسؤولية، بمعنى أنّهم يزوّدون الأسلحة للأشخاص الذين قاموا بذلك (الهجوم)".
ولم يقدّم الرئيس الديمقراطي، الذي يواجه ضغوطاً شديدة من خصومه الجمهوريين للرد بحزم على طهران، مزيداً من التفاصيل خلال محادثة سريعة مع الصحفيين في البيت الأبيض.
ونقلت وكالة رويترز عن بايدن قوله لصحفيين لدى مغادرته البيت الأبيض إلى جولة انتخابية في فلوريدا إن الولايات المتحدة لا تريد اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط.
ومساء الأربعاء، قال البيت الأبيض إن الهجوم في الأردن خططت له جماعة تدعى "المقاومة الإسلامية في العراق".
وبحسب محللين، فإن "المقاومة الإسلامية" هي عبارة عن مزيج من المليشيات، بينها "حزب الله" العراقي، وهذا ما قد يفسر بشكل أو بآخر دوافع الخطوة الاستباقية لهذه الكتائب.
متأخرة رغم التنسيق؟
وفي تعقيبه، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومقره القاهرة، إن خطوة حزب الله العراقي، إحدى كبرى الفصائل المسلحة الموالية لإيران بالعراق "لم تأت من فراغ".
ويعتبر عبدالفتاح، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن هناك على ما يبدو "تنسيقا أمريكيا-إيرانيا عبر أجهزة استخباراتية، في محاولة لاسترضاء الجانب الأمريكي".
ومستدركا أن "هذه الخطوة لن تثني واشنطن عن الرد بسبب الضغوط الكبيرة في الكونغرس على بايدن".
وأوضح في الوقت ذاته أن "تعليق كتائب حزب الله عملياتها العسكرية ربما يسهم في تخفيض مستوى وحدة هذا الرد، حيث من الأرجح أن يستهدف أذرعها فقط في سوريا والعراق، وليس الداخل الإيراني".
وهذا الرد -حسب الخبير المصري- "سيكون في متناول الاستيعاب الإيراني وأذرعها، وبدون إحراج للحكومات العراقية والسورية إلى حد كبير، خصوصا أن دمشق وبغداد تنددان دائما بأي ضربة أمريكية داخل أراضيها وتعتبرها نوعا من العدوان".
كما يؤكد "عبدالفتاح" أن الرد الأمريكي سيكون محكوما بعدم الرغبة في التصعيد، أو المواجهة المباشرة أو تدهور الأوضاع إلى حرب إقليمية، لكنه سيكون موجعا ونوعيا وربما يأتي على مرات ومراحل لكن بطريقة لا تؤدي لخروج الأمور عن السيطرة".
وفي تصريحات إعلامية سابقة على متن الطائرة الرئاسية، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي إنه "من الممكن جداً أن تشهدوا مقاربة متدرّجة في هذه الحال، ليس مجرّد إجراء واحد بل احتمال اتخاذ إجراءات عدّة".
وبشأن تأثير تعليق حزب الله العراقي لعملياته على باقي الجماعات الموالية لإيران بالعراق، أشار عبدالفتاح إلى أن الأخيرة لم يوجه إليها اتهامات مباشرة، ولذلك لن تقدم على خطوة الانسحاب، معتبرا أن "حجم التنازل الإيراني سيقف عند الفصيل العراقي".
وفي هذا الصدد، ذهب الخبير إلى أن "التنازلات الإيرانية محسوبة، لأن طهران تدرك أنه إذا ما أقدمت فصائل أخرى موالية لها على إعلان تعليق العمليات فإن صورة الردع الإيراني ومحور المقاومة ستكون على المحك".
امتصاص الغضب
من جانبه، يرى وجدان عبدالرحمن، الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإيراني وقضايا الشرق الأوسط، أن خطوة الكتائب تستهدف "تخفيف الضغط عليها، ومحاولة تبرئة إيران من اتهامات واشنطن بقتل جنودها، وربما بحثا عن غطاء من بغداد قد تحتاج إليه في وقت لاحق".
ويقول عبدالرحمن، لـ"العين الإخبارية"، إن "الكتائب العراقية تدرك أن واشنطن ستستهدفها في جرف الصخر (جنوبي بغداد) حيث يقع مقرها الرئيسي، ولهذا أعلنت تعليق عملياتها، في محاولة للتخفيف من حدة الضربة الأمريكية".
ويعتبر الخبير أن "ما ردده حزب الله العراقي عن إيقاف العمليات لعدم إحراج الحكومة العراقية، يجافي الواقع والحقيقة".
وتابع موضحا: "اعتادت تلك الكتائب على إحراج ليس فقط الحكومة الحالية، بل الكثير من الحكومات العراقية في أوقات سابقة، باستمرار ضرب قواعد ومصالح أمريكا".
وبسؤاله عن تأثير قرار حزب الله العراقي على باقي الجماعات الموالية لإيران في المنطقة، أجاب عبدالرحمن بالقول "لن تقوم باقي أذرع إيران في المنطقة بتعليق العمليات العسكرية، لأنها تسعى لأن يكون لديها هامش في التحرك للرد على واشنطن، في حال فشلت مناورة الكتائب وتم استهداف الأخيرة بقوة".
"منع الصدام"
و"ستسهم خطوة كتائب حزب الله في منع حدوث صدام أمريكي إيراني مباشر"، هذا ما قدره الدكتور عارف نصر، الخبير المصري المتخصص في الشأن الإيراني.
ويقول نصر لـ"العين الإخبارية" إن "أحد أبرز عوامل تعليق الكتائب عملياتها هو رغبة الحكومة العراقية الحالية الحثيثة نحو تخفيض حدة التوتر، ومنع حدوث أي صدام يؤثر على صورتها وعلى شكل التحالف الحكومي القائم".
وحول هذه النقطة، اعتبر هشام الركابي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، في تصريح نقلته وكالة رويترز في نفس السياق، أن "قرار كتائب حزب الله تعليق هجماتها على القوات الأمريكية جاء بعد أيام من الجهود من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لوقف التصعيد".
ومن بين عوامل تعليق الكتائب عملياتها، يتابع نصر: "وجود اتفاق على الأرجح جرى بين واشنطن وطهران يعمل على تجنب ضرب العمق الإيراني، مقابل أن توعز الأخيرة لوكلائها بتخفيف مستوى الهجمات الخارجية".
وفي كل الأحوال، يرى نصر أنه "خلال الساعات أو الأيام القادمة سنشهد ردا أمريكيا على مواقع مليشيات تابعة لإيران مع تجنب ضرب الداخل الإيراني".
وفي اعتقاده، فإن "هناك عوامل ستلعب دورا إما في خفض حدة الصراع بمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، وإما الانزلاق سريعا في حرب إقليمية واسعة".
وتتفق رؤية الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، مع ما ذهب إليه الخبراء السابقون، ويقول في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن "كتائب العراق تأمل في تجنب حدة وشكل الانتقام الأمريكي ردا على مقتل جنودها".
aXA6IDE4LjIyNy40OC4yMzcg
جزيرة ام اند امز