لا يمكن لإيران بما لديها من أسلحة تقليدية وصواريخ وغيرها أن تجابه الترسانة الأمريكية الهائلة في المنطقة
لا يمكن لإيران بما لديها من أسلحة تقليدية وصواريخ وغيرها أن تجابه الترسانة الأمريكية الهائلة في المنطقة، لذا فهي تعتمد على أذرعها في العراق على وجه الخصوص، ومن سوء حظ العراق أن أراضيه ستتحول إلى ساحة قتال لو اندلعت الحرب بين إيران وأمريكا، وذلك لوجود هذين البلدين على الأرض العراقية منذ سقوط النظام السابق في 2003 واحتلاله من قبل الأمريكان.
نعود للتأكيد على ما قلناه في البداية، إن العراق هو الخاسر الأكبر في هذا الحرب، وهو الذي يدفع الثمن غالياً في حرب ليست حربه، ومكاسب لن تكون له إذا كانت هناك مكاسب من الأساس من الحرب التي تبشّر بأهوالها ودمارها وبشاعتها.
لا يزال الموقف العراقي غامضاً من احتمال نشوب الحرب بين البلدين، وحتى ولو أرسلت حكومة عادل عبدالمهدي ببعض المبعوثين إلى دول المنطقة، في محاولة لإبعاد شبح الحرب عن أراضيها، إلا أنه لن ينفع ما هو موجود على الأرض، فالعراق فقد بوصلته وهو الآن أمام خيار صعب، إنه يتحمل سياسته غير المستقلة التي ربطت بينه وبين إيران بشبكات وهمية من العلاقات المذهبية والدينية والعقائدية الزائفة، التي لا تصمد أمام المصالح القومية والأمنية للعراق، وإمساك العصا من الوسط لن يدوم إلى ما لا نهاية، فقد حان الوقت للخيار الصائب، وإلا ما ذنب هذا البلد في دفع ثمن الحرب مع أمريكا؟، فالسياسة الفاشلة التي اتبعتها جميع الحكومات التي قادت العراق من بعد 2003 وحتى الآن، لم تكن سوى حكومات إملائية، يفرض عليها ما يريد هذا الطرف الخارجي أو ذاك ووفقا لمصالحه، وليس لمصلحة العراق، الخيار الصعب جاء نتيجة سياسة التبعية وتواجد نحو 67 تنظيماً للمليشيات الموالية في معظمها لإيران.
وفي هذه الحالة، لا يمكن أن تختار الحكومة العراقية بسهولة بين الخندقين، وكما الحكومات السابقة، فهي لا تمتلك رؤية وطنية مستقلة، ولا تؤمن بالمصالح الوطنية والقومية، ومعظم قادتها يؤكدون مراراً أنهم سيميلون إلى كفة إيران إذا ما نشبت الحرب، والرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان تابعة لإيران بجميع الطوائف.
لا يمكن لحكومة ضعيفة، ليس فيها وزير دفاع ولا وزير داخلية، أن تكون قادرة على أن تلعب دور الوسيط بين إيران وأمريكا، كما أنها لا يمكن أن تكون صديقة لكلا الطرفان في آن واحد، بالإضافة إلى أنها لا تتمتع بعلاقات جيدة مع دول الجوار والمنطقة التي تكون أفضل بديل لإيران على جميع الأصعدة.
إن الخسائر والأضرار ستكون عظيمة في حال وقوع الحرب، ولا يمكن للحكومة العراقية أن تخطو أي خطوة في الاتجاه الصحيح في الوقت الذي لا تزال تحمل فيه العقلية المذهبية والعقائدية والدينية ضيقة الأفق.
لذلك لا يتمتع القادة بمصداقية قادرة على اتخاذ القرار الصائب في خضّم التصعيد الأمريكي الإيراني، الحرب في حال وقوعها، سينتج عنها تفكيك الدولة الإيرانية إلى مقاطعات قومية وطائفية ودينية ومناطقية مثلما حصل في مختلف الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي.
لا يهتم قادة العراق الحاليون بمصير العراق المستقبلي، وما قد يتعرض له من دمار شامل في حالة الحرب، لكنهم مصرون على لعب دور التبعية لإيران، إن حزب الدعوة والتيار الصدري ومليشيات هادي العامري وقيس الخزعلي، وجماعة نوري المالكي، وأعضاء السفارة الإيرانية في بغداد، غائبون في نفق مظلم، وهم بحاجة لأن تتفتح عقولهم وعيونهم ليروا الحقيقة على الأرض.
تتوهم إيران بأنها ستستخدم أذرعها في المنطقة كأوراق ضغط ومناورة مع الأمريكيين، وهي على استعداد كامل أن توعز لها للقيام بأعمال تخريبية ونشاطات عسكرية معادية للمصالح والقوات الأمريكية دون أن تؤدي إلى نتيجة في حرب شاملة كالحرب التي شُنت ضد العراق، تشير الحقائق إلى تورط النظام الإيراني بهذه العمليات، وجعلها مجهولة الهوية، من أجل ذر الرماد في العيون، مثل العمليات التخريبية التي طالت ناقلات النفط قرب الفجيرة، وتفجيرات بعض المنشآت النفطية في السعودية بطائرات مسيّرة، وإطلاق قذيفة كاتيوشا على المنطقة الخضراء في بغداد.
وسواء كانت هذه الأعمال بإيعاز من إيران أو من اجتهاد أذرعها، فهي لا تحقق شيئاً مذكوراً في الساحة الساخنة، فالقيام بهذا أعمال تخريبية، وهي جزء من العقلية التوسعية التي تتحلى بها إيران منذ عام 1979، تحرص أن تقوم بها بشكل سري دون إعطاء أي دليل أو إثبات، لكنها تتوهم بأنها سوف تستخدمها لأغراض التفاوض لأنها غير قادرة على المواجهة الحقيقة مع الولايات المتحدة باقتصاد متهاوٍ ومعارضة واسعة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو:
هل تنقل الحرب الأمريكية الإيرانية إرهاصاتها في حال وقوعها إلى العراق؟
مما لا شك فيه أن ثقل الوجود الإيراني في العراق عبر المليشيات المسلحة يجعل منه ساحة حرب بامتياز، ومن الممكن، في حال نشوب الحرب بين إيران وأمريكا أن تنعكس آثارها الكارثية على عراق لا يتحمل هذا العبء الكبير، وأي هجمات على المصالح الأمريكية في العراق يكون نقطة انطلاقها من المليشيات، وكلاء إيران الممولين من قبلها، أو من أموال الفساد، فالنفوذ الأكبر لإيران يوجد في العراق، ويتجسد ذلك في نفوذ قاسم سليماني، المهندس المشرف على العملية السياسية العراقية برمتها، وله الدور البارز في إنشاء الحشد الشعبي، واحد من أهم ذراع إيران في المنطقة.
نعود للتأكيد على ما قلناه في البداية، إن العراق هو الخاسر الأكبر في هذا الحرب، وهو الذي يدفع الثمن غالياً في حرب ليست حربه، ومكاسب لن تكون له إذا كانت هناك مكاسب من الأساس من الحرب التي تبشّر بأهوالها ودمارها وبشاعتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة