نعيش الآن في السنوات الأولى من الانفتاح والتنوير والتطبيع مع العصر. ولا مناص من التعامل مع تجربتنا المعاصرة إلا عن طريق منهج (التجريب).
بداية يجب أن نعترف أننا نعيش الآن في السنوات الأولى من الانفتاح والتنوير والتطبيع مع العصر. كما لا يمكن لنا العبور من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى إلا بارتكاب بعض الأخطاء هنا وهناك، فلا مناص من الأخطاء، ولا مناص أيضا من التعامل مع تجربتنا المعاصرة إلا عن طريق منهج (التجريب)، الذي هو الأسلوب العلمي المعاصر، الذي أثبتت تجارب الأمم المتفوقة أنه المنهج الذي من خلاله نستطيع أن نقرأ ونرصد تجاربنا على أرض الواقع، ونحكم عليها، فمتى ما اكتشفنا أن هذه الممارسة أو تلك يكتنفها خطأ أو انحراف قومناها قدر الإمكان أو تخلينا عنها جزئيا أو كليا، وفي المقابل ما ظهر أنه يرتقي إلى طموحاتنا، أو أنه سيؤدي لاحقاً إلى طموحاتنا فهو الغاية التي نسعى إلى تحقيقها.
كل ما أريد أن أقوله هنا إننا يجب أن نعترف أن ما سمي بعصر الصحوة قد مضى إلى غير رجعة، ومن يعتقد أنه سيعود فهو لا يقرأ الظواهر الاجتماعية بتعقل، أو ربما أنه جاهل جهلا مركبا
منهج التجريب هذا هو اليوم المنهج العلمي الذي يجب علينا أن ننتهجه في كل المجالات التحديثية، فهناك كثير من الأمور التي تكون حسب (النظرية) ممكنة، لكنها عند التطبيق أو (التجريب) تجد لها أو تجد في انعكاساتها النهائية ما يجعلنا نعود عنها، أو نضبط احتماليات اعوجاجاتها التطبيقية بالأنظمة والقوانين، فتحقق في النتيجة إيجابياتها، وتحد من سلبياتها.
كما أننا يجب أن نتخلص من مقولات كانت شائعة ورائجة في ثقافتنا المحلية قبل الانفتاح، مثل ما يُسميه الصحويون (الخصوصية السعودية)، والتي تتعامل مع العصر وكأننا شعبٌ يختلف عن الشعوب الأخرى؛ هذه الخصوصية الفارغة، وغير المنطقية إطلاقا، كانت بمثابة عقبة كأداء في سبيل مواكبتنا للعالم، كلفتنا في مسيرتنا التنموية الكثير والكثير جدا، وكان البعض يعتبرها (خطاً أحمر)، إذا تجاوزناه فإن الويل والثبور سيكون مآلنا في نهاية الطريق. أما الآن، فقد ثبت لنا في هذا العهد الميمون، وبالتجربة التي نعيشها أن هذا الويل والثبور الذي كانوا يتوعدوننا به ما هو إلا (وهم)، كانت بعض الفئات الاجتماعية المتخلفة تردده إما عن غباء أو ربما تكون لها أهداف مصلحية.
قصة (علي الفقعسي) المحكوم عليه بأحكام قضائية تجاوزت الأربعين سنة بعد اقترافه أعمالا إرهابية، قال في مقابلة تلفزيونية عندما سأله المذيع الذي يحاوره عن رأيه في إصلاحات عهد الملك سلمان بعبارة تحمل الكثير من المدلولات التي تضع كثيرا من النقاط على الحروف: (لو طُبقت هذه الإصلاحات قبل عشرين سنة لما كنت أقضي عقوبة السجن الآن). وأنا على يقين أن كثيرا من المسجونين والموقوفين -اعترفوا أم لم يعترفوا- يشاركونه هذا الرأي، هذا إذا لم يكونوا موبوئين بوباء الأدلجة، الذي يسلب من الإنسان قدرته على إعمال عقله، والوصول إلى النتيجة بتجرد.
كل ما أريد أن أقوله هنا إننا يجب أن نعترف أن ما سمي بعصر الصحوة قد مضى إلى غير رجعة، ومن يعتقد أنه سيعود فهو لا يقرأ الظواهر الاجتماعية بتعقل، أو ربما أنه جاهل جهلا مركباً، الأمر الآخر والمهم أن الوحيد الذي لا يخطئ هو من يعيش في وضع الجمود والتكلس، أما الذي (يتحرك) فلا بد له أن يصل مهما ارتكب من اجتهادات خاطئة، فمنهج التجريب الذي أتحدث عنه هنا هو المنهج العلمي الذي انتهجته كثير من الأمم التي سبقتنا حضاريا، وتفوقت علينا، وأما نحن فلم نكن في وضع الثبات فحسب، وإنما كنا نسعى إلى القهقرى، ونظن أننا نُحسن صُنعاً.
تجريبنا يا سادة سيكتبه التاريخ للملك سلمان وولي عهده وساعده الأيمن الأمير محمد بن سلمان بماء من ذهب.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة