السفير خالد زيادة: التربة العربية لم تتقبل الحداثة الأوروبية
مناقشة تلقي بأضواء حول "ثلاثية" خالد زيادة التاريخية لفحص لحظات الالتقاء الأولى بين الحضارة الغربية والمسلمين والعرب في العصر الحديث
بعد سنوات عديدة قضاها في القاهرة، كان فيها من أبرز الوجوه الثقافية الفاعلة، وواحد من أنشط الدبلوماسيين العرب، تنتهي مهمة المؤرخ والأكاديمي الدكتور خالد زيادة السفير اللبناني بمصر، نهاية هذا الشهر، ورغم أنه لم يتبق سوى أسابيع على مغادرته، ما زال زيادة أحد المثقفين الكبار الذين يحظون بمتابعة واهتمام كبيرين في مصر، وخاصة في معرض الكتاب.
معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 47، استضاف المثقف اللبناني لمناقشة كتابه «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» الذي صدرت منه طبعة جديدة، أخيرًا عن الدار المصرية اللبنانية، ضمن فعاليات «كاتب وكتاب». اشترك في المناقشة، الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة، والدكتور شريف يونس الكاتب والمؤرخ، وأستاذ العلوم السياسية الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب والرياضة الأسبق.
إدارة الندوة استهلت اللقاء بالإشارة إلى أن مناقشة هذا الكتاب تلقي بأضواء كاشفة حول "ثلاثية" خالد زيادة التاريخية لفحص لحظات الالتقاء الأولى بين الحضارة الغربية والمسلمين والعرب في العصر الحديث، وقد توفر زيادة على دراسة هذه الفترة وتحليل ظواهرها والتأريخ لها برؤية منهجية رصينة، يقول خالد زيادة، إن «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» هو استكمال لكتابين سابقين هما «المسلمون والحداثة الأوروبية» (دار رؤية للنشر والتوزيع)، ويعالج علاقة العرب والمسلمين من خلال الدولة العثمانية بأوروبا ومن ثم كيف بدأت حركة استقاء العلوم والمعارف الأوروبية في مطالع النهضة العربية، ثم إيفاد البعثات الدراسية إليها أيضًا، كل ذلك كان قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر والشام، وهو ما يعني أن إرهاصات هذه العلاقة كانت قبل ذلك.
أما الكتاب الثاني، يتابع زيادة، فكان «تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا» (الدار المصرية اللبنانية)، وهو بحث عميق عن جذور موقف المسلمين من التطورات الحضارية الأوروبية، وفيه عرض وتحليل لتبلور هذه النظرة أولًا، ثم تطورها واتخاذها أشكالًا ومراحل مختلفة ومتداخلة، وكان من بينها رؤية نقدية ظهرت بوضوح في أعمال عدد من الكتاب والمثقفين العرب والمسلمين آنذاك لأوروبا والحضارة الأوربية.
زيادة أضاف، أن الكتاب الثالث وهو «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» يهدف إلى دراسة انتشار التأثير الأوروبي لكافة أنحاء العالم، ومنه العالم العربي والإسلامي، وذلك من خلال تتبع ورصد استقبال مفاهيم التنوير والاشتراكية والليبرالية التي خلقتها أوروبا، ولم يتعرف عليها العرب، ولكن كانت لها تأثير كبير في جميع أنحاء العالم. وأوضح زيادة أن الكتاب في المجمل يحفر في بنية التاريخ الثقافي العربي الحديث، وكيف تشكلت الدعائم الأساسية لفكرنا المعاصر؟ وكذلك الأسئلة التي ينبغي أن نواجه بها أنفسنا حول طموحاتنا الثقافية.
أنور مغيث، ركز في مداخلته على الجوانب الأساسية التي تعرضت لأزمة الحداثة وفشل العلمانية في العالم العربي، وكذلك مأزق التكنولوجيا والعلوم الحديثة، معتبرًا أن كتاب زيادة "مهم وبعنوان جذاب ولافت لكنه ملتبس، ومن ثم يصعب تكوين وجهة نظر عامة ونهائية دون الانتهاء من قراءة الكتاب كاملًا".
مغيث أبدى قليلًا من التحفظ على بعض الأفكار أو الطروحات الواردة في الكتاب، رأى أنها قد توحي أو تروج بشكل كبير للانكفاء على الذات، وتوهم امتلاك المقومات الكاملة والكافية للنهوض دون النظر أو الاستفادة من الثقافات الأخرى، لافتًا إلى أن الكتاب في النهاية قد خطا خطوة كبيرة في مقاربة وتحليل علاقة العرب والمسلمين مع الحداثة، في لحظات الالتقاء الأولى، ومتابعة تطورات تلك العلاقة، خاصة أن الأوضاع لم تستمر على ما كانت عليه، ولم تسر النهضة في مساراتها المأمولة، ولهذا تشكلت النخبة المثقفة لتجاوز هذا التخلف التاريخي.
واختتم مغيث مداخلته التحليلية الناقدة، بالإشارة إلى أن المؤلف لم يقصر مادته وسرده التاريخي على مصر ولبنان فقط، بل كان حريصًا على التأريخ للعرب والمسلمين بشكل عام خلال تلك الفترة، وقال، إن زيادة نجح في عرض وتلخيص التطورات السياسية المتعاقبة، ومن ثم مناقشة أيضًا الثورات العربية والاتجاهات الأصولية والأيديولوجيات المعادية للغرب، من خلال التوقف عند مفاهيم الليبرالية والاشتراكية والأصولية.. إلخ.
من جانبه، وصف الدكتور عليّ الدين هلال الكتاب بـ "مهم جدًا"، وأنه يثير تساؤلات ثلاثة حول مؤلفه وموضوعه، وعنوانه، مشيرًا إلى أننا بإزاء شخصية عربية ثقافية فريدة، وأن خالد زيادة من المثقفين الذين جمعوا بين البحث العلمي والبحث التاريخي والعمل كدبلوماسي.
وأشار هلال إلى أن الكتاب يتناول علاقة العرب والمسلمين بالغرب، موضحًا أنها علاقات معقدة وضاربة في أعماق التاريخ، وهناك أجيال من المفكرين والمثقفين العرب الذين تعرضوا لهذا الموضوع، وقال، إن فكرة الكتاب تدور حول أن أوروبا هي مهد التنوير والديمقراطية، وهي التي أشاعت هذه المفاهيم في العالم كله، مشيرًا إلى أن أفكار الكتاب تتمحور حولين سؤالين، وهي لماذا تخلف العرب والمسلمون، وهم كانوا رواد الطب والجراحة والصيدلية وكان الأوروبيون ينقلون عنا، والسؤال الثاني ماذا وكيف نفعل لكي ننهض مرة أخرى.
وعلق علي الدين هلال، على عنوان الكتاب الذي اعتبره "مثيرًا للجدل واستفزازيًّا"، بأن العنوان يجعلنا نطرح سؤالًا آخر هل صحيح "لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب"؟ أو أن العرب استفادوا من أفكار أوروبا حقًّا؟ واختتم هلال بأن الكتاب نجح في رصد تطور العلاقة بين العرب المعاصرين وأوروبا، مع الإمساك بلحظة اكتشاف حداثة العرب تاريخيًّا، لكنه في الوقت نفسه لم تنجح الأفكار التنويرية والمفاهيم الحداثية في التغلغل أبدا في بنية المجتمعات العربية، وبالتالي لم يظهر أثرها نتيجة لظروف اجتماعية وسياسية غير رفضت هذه الأفكار والمفاهيم واعتبرتها غير ملائمة لها.
aXA6IDQ0LjIxMS4zNC4xNzgg جزيرة ام اند امز