العراق ولبنان.. اختلفت الأعراض والعلة واحدة
يتقاطعان في الخطوط العريضة لتداعيات الطائفية السياسية، ويتشابهان حد التماهي في انفجارهما غضبا وإعلانهما "الحرب" على الطبقة السياسية.
العراق ولبنان، بلدا الرافدين والأرز، وضعتهما إحداثيات التاريخ والغضب والسياسة على خطوط متشابهة في المسببات والأعراض، ولكن بتمظهرات وأعراض مختلفة، وإن تظل العلة واحدة.
لم يجمعهما فقط توقيت متزامن لانتفاضة شعوبهما قبل سنوات، وإنما غرقا عبر التاريخ في جب حفرته أجندات وضعت وراء أسوار حدودها، وجعلتهما جزءا من لعبة تصفية حسابات إقليمية.
العراق يتدارك فشله!
على مسار الأزمات انحشر العراق ولبنان لسنوات، وأظهر كل بلد أعراضا مختلفة ناجمة عن المرض نفسه، لكن بتدرجات متباينة محكومة بخصوصية وطبيعة كل طرف.
محاولات التعافي بالبلدين استغرقت وقتا طويلا، وشهدت منعطفات واصطدمت بعراقيل جمة، فتتالت النكسات لترفع فاتورة فشل سياسي تسددها الشعوب، وتفاقم حالة احتقان كانت تتغذى على فشل بدأ ينذر تواتره بالتحول إلى داء مزمن عابر للأدوية أو حتى للجرعات المسكنة.
لكن بعد عام من الشلل السياسي، يبدو أن العراق يتماثل للشفاء بنجاحه في الحصول على رئيس جديد للجمهورية ورئيس مكلف بتشكيل حكومة.
نجاح نسبي تكتبه بلاد الرافدين بمداد التوتر على وقع ضربات صاروخية استهدفت المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة بغداد.
والخميس، انتخب البرلمان العراقي رئيسا جديدا للجمهورية، وهو مرشح التسوية عبداللطيف رشيد، خلفا للمنتهية ولايته برهم صالح.
وفور انتخابه، كلف رشيد محمد شياع السوداني البالغ 52 عاما بتشكيل حكومة خلال 30 يوما، وفقا لمقتضيات الدستور العراقي.
وكما كان متوقعا، حمل خطاب السوداني رسائل طمأنة لمختلف المكونات السياسية في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية ويقف على صفيح ساخن يمكن أن تقلب فيه المليشيات أي تقدم إلى تراجع مفاجئ.
وأعرب السوداني الذي رشحه "الإطار التنسيقي" (مظلة سياسية تضم القوى المقربة من إيران)، عن "استعدادنا التام للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية" من أجل "تأليف حكومة قوية وعازمة على تنفيذ أهدافها وبرنامجها".
وأضاف مشددا: "لن نسمح بالإقصاء والتهميش في سياساتنا" و"لن ننسى مطالب شبابنا الحقة وسنعمل بكل تفان وإخلاص في التصدي للمشاكل والأزمات المتراكمة".
لكن، وفي وقت اعتقد فيه العراق أنه اخترق جموده السياسي بعد عام من انتخاباته التشريعية، تعرضت المنطقة الخضراء، التي تضم مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، فضلاً عن أحياء مجاورة، لقصف بتسعة صواريخ كاتيوشا.
ضربات لم تتبناها بعد أي جهة، لكنها تعكس عمق التوتر السائد، وتفاقم المخاوف في بلد تتقاطع فيه أطماع تحويله لساحة لتصفية الحسابات، أو إبقائه في حالة غليان دائم يجعله بمثابة القنبلة الموقوتة بالشرق الأوسط.
ورغم أن هذه الضربات لم تحل دون انتخاب رئيس، وهو المنصب الذي يعتبر شرفيا إلى حد ما ومخصصا للأقلية الكردية، إلا أن وقوعها في توقيت مماثل يشي بأن العراق لم يتلق حتى الآن علاجا كاملا لعلله، وأن كل ما يحصل يظل مجرد جرعات لتسكين الوجع.
فشل في لبنان
في لبنان، فشل البرلمان، الخميس، للمرة الثانية على التوالي، في انتخاب رئيس جديد في ظل انقسامات عميقة عكسها غياب التوافق على اسم خلف للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنقضي مدة ولايته نهاية الشهر الحالي.
ولم تعقد الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ما دفع برئيس البرلمان نبيه بري إلى إرجائها إلى 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
فشل جديد يطيل أمد الأزمة في بلد يقف على رمال متحركة كان يمكن أن تستقر حال تمكنت الطبقة السياسية من التوافق على مرشح، ما يفاقم تعقيدات وضع غارق في أزمة مالية خانقة.
أخفق لبنان في انتخاب رئيسه لسبب وحيد وهو أن الكتل الرئيسية لم تتوافق على اسم مرشح في بلد تقوم سياسته الداخلية على التسويات بين القوى المختلفة، لتستمر الحلقة المفرغة التي تدور فيها أحداث تستنسخ سيناريوهات سابقة.
فالرئيس الحالي نفسه ميشال عون، والذي تنتهي ولايته أواخر الشهر الجاري، انتخب في 2016 بعد شغور رئاسي استمر لأكثر من عامين بسبب فشل النواب في التوافق على مرشح.
سيناريو يتكرر بشكل دوري بسبب معارضة حزب الله لدعم مرشح تدعمه قوى أخرى، في سياسة تستهدف إطالة أمد الأزمة أو حلها وفق شروط معينة تخدم أطرافا سياسية على حساب أخرى، والأسوأ أن كل ذلك يهدد بدخول لبنان فراغا رئاسيا مجهول العواقب.
وبسبب الانقسامات نفسها التي تحول دون التوافق على رئيس للبلاد، لم تثمر مساعي رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية المقامة منتصف مايو/أيار الماضي.
ومما يرفع من سقف المخاوف أن النظام في لبنان يقوم على تقاسم الحصص بين المكونات السياسية والطائفية، ما يعني أن الطريق إلى الاستقرار يظل مرتبطا بمزاجات الساسة وتوجهاتهم وأجنداتهم.
حيثيات متقلبة من العراق إلى لبنان تفتح المشهد بالبلدين على احتمالات الشفاء أو الاكتفاء بجرعات مسكنة أو الدخول في موت سريري يعيد ترتيب الأوضاع على طريقته.
aXA6IDUyLjE1LjEzNi4yMjMg
جزيرة ام اند امز