الصناعات الحربية في العراق.. عودة الغائب
يجد العراق يوماً بعد يوم للعودة بالصناعات الحربية إلى البلاد عقب هجرة طالت مصانعها ومؤسساتها الكبرى لنحو دام أكثر من 30 عاما.
ورغم أن مجلس النواب قد صوت قبل أكثر من عامين على مشروع تصنيع المعدات الحربية في العراق، الذي أعطى الضوء الأخضر باستئناف تلك الصناعة المعطلة، إلا أن مصانعها ما زالت تتحرك ببطء شديد جراء أسباب عديدة بحسب جهات رسمية مختصة.
وقبل ذلك الموعد، كان العراق قد أنشأ شركة للصناعات الحربية، وتحديداً عام 2015، اتخذ من منشأة عسكرية معطلة مقراً لها عند جنوب العاصمة بغداد، تمكن من خلالها من صناعة صواريخ قصيرة المدى من بينها "اليقين"، فضلاً عن قنابل خاصة بطائرات "سوخوي" الروسية.
داعش ومصانع العراق
وجاء ذلك التحرك على وقع أحداث عاصفة شهدتها البلاد في أحداث يونيو/حزيران 2014، بعد اجتياح تنظيم داعش للعديد من مدن البلاد واستيلائه على المعدات الثقيلة وأنواع الأسلحة التي كانت لدى القوات الأمنية في تلك المناطق.
وعاشت القوات الأمنية خلال الأيام الأولى من الحرب على داعش أزمة حادة في توفير الأعتدة والمعدات العسكرية وصلت ذروتها عندما أعلنت بغداد عن عدم امتلاكها طائرة حربية واحدة للإيقاف الزحف الإرهابي الذي كان يمتد نحو العاصمة بغداد.
وللعراق تاريخ مع الصناعات الحربية دشنه في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين أنشئ ما يعرف حينها بـ"هيئة التصنيع العسكري"، سبقها بإعداد كوادر فنية وهندسية وإدخالهم دورات وتبادل للخبرات مع دول شرقية وغربية.
الصناعات العسكرية في العراق
وحققت الصناعات العسكرية قفزة كبيرة على مستوى التجهيز والإنتاج لمختلف صنوف الأسلحة والذخائر خلال حرب الثماني سنوات مع إيران، إلا أنها تقلصت ما بعد غزو العراق للكويت ومن ثم إلغاء تلك الصناعات عام 2003، بقرار من الحاكم الأمريكي المدني حينها، بول بريمر.
يقول رئيس هيئة التصنيع العسكرية، محمد صاحب الدراجي، في تصريح مقتضب لـ"العين الإخبارية"، إنه "يجري التحضير والاستعداد للعودة بصناعة العديد من الذخائر والأسلحة، ولكن نجتنب الخوض في تفاصيل الأمر أمام وسائل الإعلام".
ويضيف الدراجي، أن "ملف الصناعات العسكرية في العراق تعترضه بعض العقبات بينها لوجستي وبعضها سياسي لتضرر بعض الجهات من توطين السلاح داخل البلد خشية أن يخسروا امتيازات كان استحصلوا عليها من خلال النسب التي يستحصلوا عليها جراء صفقات استيراد السلاح".
وتشكل الأموال المخصصة للتسليح والقوات الأمنية في العراق، عبأ كبيراً على خزينة الدولة بعد أن شكلت حتى عام 2015، ما نسبته 40% من إجمالي الموازنات السنوية.
واعتمدت القوات العراقية منذ بدايات تنظيمها بتأسيس الجيش في عشرينيات القرن الماضي، على عقيدة تسليحية تجمع ما بين السلاح الأوربي والغربي.
يقول الخبير الأمني، رحيم الشمري، إن "تفعيل الصناعات الحربية في العراق مجدداً ستكون لها وفوائد كبيرة جداً ليست على المستوى الاقتصادي والعسكري فحسب وإنما في بعدها السياسي والسيادي الذي يجنب البلاد الوقوع تحت رحمة ومزاج الشركات التصنيعية التي غالبها ما يكون مرتبط بالأنظمة الحاكمة".
ويضيف الشمري لـ"العين الإخبارية"، أن "مرحلة المواجهة مع الإرهاب وطبيعة التهديدات الأمنية التي تضرب انعكاساتها على عدم استقرار الوضع الداخلي، تفرض التسريع بتفعيل الصناعات الحربية على أرض الواقع من خلال تخصيص الأموال للازمة لإنشاء المصانع وبناء القدرات العاملة".
وفي ذلك الصدد، يلفت الدراجي خلال مقابلة متلفزة، إلى أن "هيئة التصنيع العسكري تشق طريقها بعيداً عن التمويل الحكومي بالاعتماد على الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص".
مشاكل أمام الصناعات العسكرية في العراق
ويعطف الدراجي بالقول، إن "إحدى المشاكل الرئيسية التي تعرقل التسريع بعودة الصناعات العسكرية وجود كوادر هندسية من الشباب، كون أن أغلب الخبرات التي نمتلكها باتت كبيرة السن ولا تحمل الجهد البدني للتعامل مع الماكنات".
ويلفت إلى أنه "في غضون الأشهر الخمسة المقبلة ستطرح هيئة التصنيع إنتاجها من الأسلحة الخفيفة (البندقية والمسدس)، بعد أن تم التعاقد على شراء مصنع وقد وصل إلى البلاد مؤخراً".
وكان العراق يمتلك عشرات المصانع الكبرى في مجال الصناعات الحربية التي تنضوي تحت 64 شركة، وتشغل ما يقرب 45 ألف عامل، قبل أن يتم حلها ودمجها ببقية الوزارات.
وأجبرت الأمم المتحدة من خلال لجان التفتيش الدولية، العراق ما بعد عام 1991، على تهديم وتفكيك أغلب منشآته المختصة بالصناعات العسكرية ومراكز البحوث النووية خشية من الاستخدام المزدوج.
إلا أن الدراجي يؤكد أنه "تم تأهيل 27 مصنعاً ودمجهما بشركتين، ويجري الآن التحرك لمفاتحة مجلس الوزراء لضم بعض المنشآت الأخرى".