اللغز الغامض في العراق.. إيرادات نفطية "تاريخية" وفقر متصاعد
رغم ارتفاع عائدات العراق المالية وتسجيلها أرقاماً غير مسبوقة في تاريخ البلاد، إلا أن معدلات الفقر تتزايد يوما بعد يوم.
وتفرض نسب الفقر المرتفعة على السلطات العراقية المختصة إيجاد المعالجات العملية لخفضها.
وبحسب بيانات رسمية، فقد حقق العراق خلال 2022 عائدات مالية بأكثر من 115 مليار دولار جراء تصدير النفط الخام، في سابقة لم يصل إليها من قبل.
وكشفت وزارة التخطيط العراقية، قبل أيام عن ارتفاع نسب الفقر في العراق خلال العام الماضي، لتصل إلى نحو 25% لعام 2022، بما يمثل نحو ربع سكان البلاد الذين يصل تعدادهم لأكثر من 40 مليون نسمة.
وفي أواخر العام الماضي أعلن البنك المركزي العراقي عن تخطي احتياطياته النقدية حاجز الـ90 مليار دولار أميركي ولأول مرة في تاريخ البلاد المالي.
ورغم التعافي على مستوى الإيرادات والاحتياطيات المركزية، إلا أن ذلك لم ينعكس على مستويات تحسن نسب الفقر والأوضاع المعيشية للمواطنين، يقابلها ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي مما أدخل الأسواق في حالة من شبه الركود.
وسجلت أعلى معدلات الفقر في العراق ضمن العقدين الأخيرين، خلال عام 2015 عقب اجتياح داعش للمدن وما تسبب بحركة نزوح كبيرة وكذلك عام 2020 على وقع انتشار جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط العالمية.
وكانت الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وضعت برنامجاً شاملاً للحد من الفقر عبر تدعيم رواتب الشبكة الاجتماعية وإطلاق القروض للمشروعات متناهية الصغر وتعزيز مفردات البطاقة التموينية.
وكان رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني قد تعهد قبيل التصويت على برنامجه الحكومي من قبل مجلس النواب، بتخفيف حدة الفقر في العراق.
المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، يكشف عن تفصيلات نسب الفقر في العراق وفرص المعالجة الآنية والاستراتيجية.
إذ يبين أن "تلك النسب هي افتراضات وتخمينات استندت على إحصائيات سابقة كانت وزارة التخطيط عملت عليها في السنوات الماضية".
وتابع الهنداوي بالقول: "النسب المسجلة لمستويات الفقر خلال العام الماضي اعتمدت بشكل كبير على ماتم تقييده عام 2018 الذي جرى فيه آخر مسح إحصائي ومقارنة تلك المدخلات بالمستحدثات اللاحقة من ارتفاع لأسعار النفط ومستويات التنمية ومستوى دخل الفرد".
وأضاف الهنداوي أن وزارة التخطيط وخلال عام الجائحة قد أجرت دراسة بالتعاون مع البنك الدولي وافترضت سيناريوهات متوقعة إذا ما استمرت ظروف الإغلاق العالمية بأن تصل نسب الفقر في العراق إلى نحو 30%، ولكن بفعل تحسن الظروف وانجلاء مخاطر كورونا تراجعت النسب إلى حدود 20%".
ونقل تقرير سابق لوزارة التخطيط العراقية، عن وزير التخطيط، خالد بتال النجم، قوله إنّ "تداعيات فيروس كورونا، تسببت بإضافة 1.4 مليون عراقي جديد إلى إجمالي أعداد الفقراء"، مشيرا إلى أن "عدد الفقراء بموجب هذا الارتفاع، بلغ 11 مليونا و400 ألف فرد، بعدما كان قبل الأزمة حوالي 10 ملايين فرد، كما أن "نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، والتي كانت 20 في المائة في عام 2018".
الهنداوي يشير إلى أن "نسب الفقر المسجلة عام 2022 ماتزال ضمن السقوف العالية مقارنة بعامي 2020 و2021، التي تفرض إيجاد المعالجات والسبل الكفيلة من تخفيفها وهو ما نعمل عليه ضمن خطة خمسية تبدأ من منتصف العام الحالي وحتى يونيو/حزيران 2027".
ونوه إلى أن وزارة التخطيط "كانت قد أطلقت الاستراتيجية الخمسية، الأولى لمكافحة الفقر عام 2010 وقد أسهمت من خفض تلك المعدلات من 23% إلى نحو 15% عام 2013".
وتستعد وزارة التخطيط خلال العام الحالي لإطلاق مسح إحصائي شامل يتم بموجبه احتساب نسب الفقر وفق معايير تتضمن المستوى الصحي والتعليمي والخدمي فضلاً عن المدخل المادي للفرد والعائلة.
وبشأن ارتفاع العائدات والإيرادات وتناقضها مع الفقر وارتفاع معدلاته، يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء السابق، مظهر صالح، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "المشكلة في استدامة عدالة التنمية بين القطاعات الاقتصادية المشغلة للعمل، إذ مازالت ظاهرة استنزاف العائدات النفطية في موازنات تشغيلية قليلة الإنتاجية، قد بلغت حدود تجاوزت القدرة على تسريع التراكم الرأسمالي".
وتابع بالقول: "فالبطالة المستمرة على مدى أربعة عقود لم تقل عن مرتبتين عشريتين ولاسيما في العقدين الأخيرين حيث تقدر اليوم بنحو ١٦٪ من إجمالي السكان الناشطين اقتصاديا، وهي المسؤول الأساسي عن توليد الفقر في بلادنا".
وشدد صالح على أن "دخل العمل هو من ينمي الثروة الشخصية ويصنع الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الكلي في البلاد".
وتدخل ارتفاع نسب التصحر والجفاف وشح المياه، بحسب صالح، كعوامل أساسية في تفاقم نسب الفقر جراء ما أحدثته من نزوح وهجرة داخلية وهلاك للزرع والماشية.
وبشأن المعالجات الممكنة، يؤكد المستشار الحكومي السابق، أن "مفاتيح الحل تكمن بالعودة إلى استثمار الأرض عن طريق إحداث تنمية في النشاط الزراعي والصناعي وإحداث شراكة منتجة بين الدولة والقطاع الأهلي وكذلك وتوفير مقومات الأمن الغذائي بالطرق السليمة المنتجة والمشغلة للإنسان مما يرفع من مساهمة التنمية عموماً والزراعية منها على وجه الخصوص، من خلال دور تخطيطي مركزي في مكافحة الفقر في البلاد".