النظام الشرق أوسطي يتغير بسرعة فائقة، والفراغات لا بد أن تمتلئ بسرعة أيضاً حتى لا تترك مجالا لردات الفعل غير المتوقعة.
هكذا هي الحالة الشرق أوسطية، وهي نتاج طبيعي لما سُمي "الربيع العربي"، الذي انطلق قبل أكثر من عقد من الزمان وغيّر موازين القوى بالمنطقة، خاصة أنه أصاب دولا مهمة ورئيسة.
السنوات الماضية أسهمت بشكل فعال في تغيير الخارطة السياسية الشرق أوسطية، وكانت الدول الخليجية هي الأكثر ابتعاداً عن تأثيرات هذه الأحداث، لكن صارت المهمة السياسية والمطلوب من دول الخليج العربي أكثر تعقيدا من قبل، عندما كانت منارات القوى العربية واضحة في مواقعها.
الكتلة الخليجية تدرك أنها تواجه تحدياتٍ كبرى في ضبط الوجهات السياسية القادرة على أن تمسك بأي طرف في الشرق الأوسط لتعيد رفعه من جديد، خاصة أن هناك من يرغب في بناء سلاح نووي على ضفة الخليج الأخرى، وسيكون تحديا كبيرا على هذه الدول، أن تكون مسؤولة دوليا وحدها في المنطقة تنمويا واقتصاديا.
دول الخليج العربي تدرك تلك الإشارات المباشرة، التي يبعثها كل من العراق وتركيا، إلى المنطقة وبشكل تدريجي. إذ تبدو "العراق وتركيا" مهتمتان بتوضيح موقف دول الخليج العربي منها سياسيا واقتصاديا، بحثا عن إجابة للسؤال: هل يمكن لدول الخليج العربي أن تسهم في فتح الأبواب أمامها لتنهض من جديد؟
الخيارات الخليجية في التقارب مع تركيا ودعم العراق ممكنة جدا، لكنها تتطلب مهارات عالية في تحديد نوعية التحالف بينها، ولعل التباين الأكثر وضوحا بين دول الخليج ومثل هذه الدول هو الاستقرار الاقتصادي والسياسي والدرجة العالية من الأمن، لذا سيكون من المهم هنا تحديد مستوى التفاعل والاستفادة بين الأطراف جميعها، وفي أي اتجاه يمكن لدول الخليج العربي تقديم العون لتركيا والعراق، كل منهما على حدة.
الحالة التركية أقل تعقيدا من العراقية.. فالعراق بلد عربي وجارٌ مباشر لأكبر الدول الخليجية، المملكة العربية السعودية، والتقارب العملي مع العراق الحالي محفوف بكثير من التحديات، ومع كل ذلك، فالعراق يُعتبر هو الأهم بالنسبة لدول الخليج العربي من حيث كونه بلدا عربيا شقيقا تُشكّل عودتُه إلى الساحة السياسية متعافيا نقلة نوعية في ميزان القوى بمنطقتنا، فالعراق تاريخيا واقتصاديا قادرٌ على النهوض مرة أخرى بمجرد تحقيقه استقرارا سياسيا وتنشيط عوامل الأمن فيه.
بناء تحالف خليجي محتمل مع تركيا والعراق يتطلب معالجة ذكية للتدخل الإيراني المليشياوي في العراق، كما يتطلب تقديم تنازلات سريعة وفعّالة من قبل تركيا، سواء لدول الخليج العربي أو للعراق.
واليوم لا يمكن التنبؤ بتطورات المنطقة، خاصة في أزمة نووي إيران، التي كما يبدو ترغب في مسارين متوازيين لا يتقاطعان بالنسبة لعلاقاتها الخليجية بجانب تطلعاتها النووية، فهي لا تخلط سياسيا بين المسارين، وهذا مؤشر مهم يتطلب التنبه إليه عند بناء تحالفات إقليمية تصنع التوازن والردع، خاصة أنه لم تعد هناك مسارات واضحة حول إمكانية تحقيق اتفاق نووي مجددا من قِبَل أمريكا لا يؤدي في النهاية إلى امتلاك إيران سلاحا نوويا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة