أتت قمة مجلس التعاون الخليجي مؤخرا في الرياض لتكتسب أهمية بوصفها أول قمة بعد مُضي عام على قمة العُلا.
لقد جاءت قمة الرياض لتعيد ترتيب البيت الخليجي في وقت دقيق وحساس لأجل دول الخليج ذاتها.. فهي أول قمة بعد بدء تطبيق بنود اتفاق العُلا، وأول قمة بعد انتعاش الطلب العالمي على النفط منذ بدء جائحة كورونا، وهي القمة التي تكسب رمزية خاصة، إذ إنها تصادف مرور 40 عاماً على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي عليه أن يبحث في تطوير هياكله على طريق تحقيق حلم قادته المؤسسين في الاتحاد والتقدم وبناء عوامل القوة في محيط تسوده المنافسة والتحديات، وصولًا إلى تضامن واستقرار وتكامل اقتصادي، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة تخدم تطلعات وطموحات شعوب دول الخليج العربي، وتحفظ مصالحها ومكتسباتها، وتجنبها الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها.
سبق قمة الرياض جولة تاريخية واستثنائية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مهّدت لترسيخ أسس التلاحم والتقارب والتشاور والحوار وترتيب البيت الخليجي نحو مستوى متقدم من التكامل.. فهي جولة أسهمت في دعم تشكيل أهداف مجلس التعاون من جديد، بدأها ولي العهد السعودي من سلطنة عُمان، مرورا بالإمارات وقطر والبحرين، وصولا إلى الكويت، وذلك في محاولة لبناء توافق في الآراء بشأن التحديات التي تواجهها المنطقة.. جولة يسودها روح الأمل والتفاؤل سعت وأكدت أهمية تضامن دول مجلس التعاون الخليجي، وتوسيع دائرة الشراكات الاستراتيجية وتحقيق الرؤى الخليجية، وتأسيس مشروعات عملاقة لمواكبة العالم.
لقد قدمت القمة رؤية مشتركة لأوضاع المنطقة والعالم، تناولت بالتفصيل خطورة السياسة الإيرانية وتدخلاتها في دول المنطقة، إلى جانب تأكيد ضرورة تسوية المشكلات الإقليمية استناداً إلى القرارات الدولية والاتفاقات المنجزة، وتعزيز التعاون بين دول المجلس، والحفاظ على أمن الخليج العربي واستقراره، وتطوير اقتصادات دوله وتعزيز مسيرة التعاون بينها في المجالات كافة، وتحقيق تطلعات مواطني دول المجلس، لا سيما مع بدء العقد الخامس من مسيرته نحو تعزيز كل ما من شأنه تحقيق الخير والأمن والازدهار لدوله وشعوبه.
لقد اعتادت شعوب دول الخليج العربي على القرارات العظيمة والمسؤولة التي تصدر عن قمم مجلس التعاون، ولعل الثقة المتبادلة بين الشعوب والقيادات الخليجية بأن مصيرها واحد هي التي تزيد المسؤولية نحو اتخاذ قرارات حكيمة على المستويات كافة، وهذه الثقة المتبادلة هي التي ميّزت دول مجلس التعاون بالاستقرار من بين كل بقاع العالم المضطربة، من هنا تبدو القمة الخليجية 42 في الرياض قمة شراكة وبناء وعلامة فارقة في مسيرة العلاقات الخليجية-الخليجية، وبداية قوية للعقد الخامس، وفاتحة عهد جديد في أسلوب عمل المجلس، واستكمالا لمقومات الوحدة اقتصادياً ودفاعياً وأمنياً، واستدامة للعلاقات الاستراتيجية، وتطويرا للشراكة مع المجتمع الدولي.. لقد كانت جولة مفصلية في تاريخ عمل هذا الكيان الإقليمي المهم، لهذا رأينا مدى الاهتمام والتآلف الذي يعكس الرغبة الصادقة والجادة لتعزيز التعاون وخدمة شعوب دول الخليج العربي، وهو ما لم نشهده منذ سنوات في المجلس.
سيبقى مجلس التعاون الخليجي كيانا قويا، يفرض دعم التعاون فيما بين دوله لبناء مستقبل مزدهر لأبنائنا وأحفادنا، فخليجنا العربي متمسك بوحدته واتحاده وتعزيز تعاونه ضمن إطار قيم ومظلة مجلس التعاون الخليجي، وانسجام السياسات فيما بين دوله، ذلك لأن المصلحة اليوم في ظل التحديات العالمية غير المسبوقة تقتضي من الجميع أن يكونوا كذلك فقط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة