منذ نحو شهرين ظهرت مؤشرات عن بدء الانقسامات بين قيادات تنظيم الإخوان الإرهابي في العلن، بعد سنوات من الخلاف المكتوم.
خلال هذه الفترة، بدأت بالفعل تداعيات ذلك الانقسام الجذري في الظهور على السطح وبدأت تنعكس في إجراءات تنظيمية وإدارية ستكون لها تداعيات ودلالات على مستقبل التنظيم.
فبعد أن كانت الخلافات محصورة في نطاق الاتهامات المتبادلة والمساعي الضمنية إلى الانفراد بالسلطة داخل الجماعة، إذا بأحد طرفي الصراع ينتقل من الضمني إلى الصريح، فيخطو عملياً نحو السيطرة الكاملة والانفراد بالسلطة بشكل تنظيمي رسمي.
فما حدث أن المجموعة التي يتزعمها محمود حسين، الأمين العام السابق للإخوان، قامت خلال الشهرين الماضيين بعملية تحضير واسعة النطاق للإطاحة بمجموعة لندن، التي يقودها إبراهيم منير. ليغيّر "حسين" بذلك أداءه التكتيكي في الصراع الدائر مع "منير" من الدفاع عن نفسه ومحاولة حماية فريقه من استيلاء "منير" ورفاقه على مناصبهم ومكاسبهم في التنظيم.
وتتضح هنا أولى دلالات ذلك الصراع العنيف بين الجانبين، وهي أن جناح "حسين" كشف عن شراسة وعنف في إدارة الصراع داخل الإخوان، أكثر مما يتوافر لجناح "منير". فالأخير اكتفى بتجميد "حسين" ومجوعته وتحويلهم إلى التحقيق، وهي قرارات ليست قابلة للتنفيذ عملياً.
في المقابل، ذهب "حسين" مسافة أبعد بتعيين لجنة تقوم بعمل مرشد الجماعة يترأسها مصطفى طلبة، أحد القيادات الاقتصادية في الإخوان.
وهذا يعني أولا أن ما قام به "حسين" ليس فقط الإطاحة بـ"منير" وإبطال ما قام به من خطوات، بل أيضاً فرض بديل وتثبيت أمر واقع جديد، ووضع "منير" في مواجهة مباشرة مع آخرين من قيادات الجماعة، وليس معه فقط، كما يعني ثانيا امتلاك مجموعة محمود حسين أدوات سيطرة قائمة وهيمنة فعلية على معظم مفاتيح السلطة داخل الجماعة، خصوصاً ما يتصل من تلك المفاتيح بمصادر القوة الفعلية، أي الموارد التي تُدار بها الجماعة، سواء الأصول والاستثمارات أو الأموال.. وكل ذلك من خلال اختيار مصطفى طلبة على رأس اللجنة المكلفة بعمل المرشد.
الفكرة أن الجماعة تتعرض لضعف وانقسام كبيرين في الروابط بين مكوناتها التنظيمية، أولاً بين إخوان الخارج وإخوان الداخل، وأقصد هنا الإخوان في مصر، ثم بين كل من مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي وفروع الإخوان، لذا صار التنظيم ككل أشبه بجُزُر منعزلة، ليست فقط بعيدة عن بعضها تنظيمياً وعمليا، لكنها أيضاً مختلفة ومتعارضة المواقف والتوجهات إزاء المستجدات المحيطة بالجماعة، والأهم بشأن مستقبل الجماعة نفسها وطريقة الإدارة وطبيعة القيادة بها وأشخاصها.
هذه المعطيات تشكل صورة شديدة السواد لجهة مستقبل تنظيم الإخوان الإرهابي، فإعلان وفاة الجماعة وانهيارها نهائياً يتجه نحو الاكتمال، بسبب الخلافات التي صارت جوهرية وجذرية بين قيادات الجماعة، وتحولت إلى حرب تكسير عظام وساحة نزال لا مجال فيها للحلول الوسط ولا فرصة فيها إلا لفائز واحد.
وأياً كان الفائز، شخص أو مجموعة، المؤكد أن المهزوم الحقيقي وعن جدارة هو ذلك التنظيم المصاب منذ نشأته بفيروس السلطة وشهوة المال، وإن حاول إخفاء أطماعه السياسية تحت رداء الدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة