أعادت نتائج القمة ومقرراتها تأكيد ثوابت العمل الخليجي المشترك، وفي مقدمتها أن أمن دول مجلس التعاون "كل لا يتجزأ".
كما أكدت القمة أن أي اعتداء على أي من دول الخليج العربي هو اعتداء عليها جميعا، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها كلها، كما أكد البيان الختامي تمسك دول المجلس باستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومة الدفاعية والأمنية المشتركة فيما بينها، وتنسيق مواقفها بما يعزز تضامن واستقرار دول المجلس ويحافظ على مصالحها ويجنبها الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها، ويعزز دورها الإقليمي والدولي، وذلك من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات على المستويين الإقليمي والدولي.
وشهدت منطقة الخليج العربي في الأيام القليلة الماضية تحركات عززت مشاعر الغبطة والتفاؤل بمستقبل أفضل لمنظومة التعاون الخليجي، وبمستوى أعمق من التنسيق والعمل المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وشعوبها، بما يخدم تحقيق أهداف ومصالح شعوب المنطقة ويعزز وحدتها وتضامنها في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، والوصول إلى الأفضل الذي ينشده الجميع.
وتجسدت هذه التحركات بالأساس في الجولة التاريخية التي قام بها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والتي شملت جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي دون استثناء، وبعدها جاء انعقاد القمة الثانية والأربعين لقادة دول مجلس التعاون، التي استضافتها العاصمة السعودية، الرياض، الثلاثاء الماضي، والتي جاءت نتائجها كاشفة بوضوح عن أن قادة دول الخليج وشعوبها متمسكون بمواصلة مسيرة التعاون والتنسيق المشترك، وصولاً إلى تحقيق مبتغاها النهائي، الذي نص عليه قرار تأسيس المجلس.
ولم تتوقف القمة عند قضايا التعاون التقليدية، بل كانت واعية بالتحولات المستجدة، التي باتت تفرض تحدياتها على المنطقة والعالم، بما في ذلك قضايا التغير المناخي والبيئة ومواجهة تحديات جائحة كوفيد-19، وهي القضايا التي تبنّت فيها دول المجلس سياسات ومبادرات متقدمة للغاية مقارنة بباقي دول العالم، مثل نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي أطلقته المملكة العربية السعودية خلال رئاستها مجموعة العشرين، وتمت الموافقة عليه من قبل المجموعة كإطار متكامل وشامل لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وإدارتها عبر التقنيات المتاحة والمبتكرة، فضلا عن المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، التي أعلنتها دولة الإمارات، والتي تشكل محركاً وطنيا يهدف إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، وأيضا مبادرتا "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، اللتان أطلقهما ولي العهد السعودي، وغيرها كثير من المبادرات التي جاءت القمة لتؤكدها، مشددة على ضرورة التحرك المشترك لتحقيق الاستدامة والتعامل مع التغير المناخي وآثاره وحماية البيئة، وتأكيد أهمية تعزيز التعاون في مجال مكافحة جائحة كورونا، ودعم مسيرة العمل الجماعي لمكافحة الأوبئة والأمراض والجوائح المماثلة مستقبلاً.
وعلى المستوى الإقليمي والعالمي جاء البيان الختامي لقمة الرياض لدول مجلس التعاون ليرسم خطوط الموقف الخليجي من التطورات الجارية، وهو موقف يمكن اختصاره بأنه يؤكد ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار، بما يحفظ للدول والشعوب حقها في التنمية والرخاء والعيش بسلام، ووضع حد لأزمات المنطقة، ورفض التدخلات، التي تقوم بها بعض الدول أو السياسات والمواقف التي تصر على العبث بأمن المنطقة واستقرارها، وهي جميعها مواقف راسخة في السياسة الخليجية.
لقد جاء البيان الختامي للقمة الخليجية الثانية والأربعين حاملاً رسالة واضحة بأن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستعمل على مواصلة نهجها التعاوني بإصرار أكبر وبمستوى أعمق في المستقبل، انطلاقاً من وعي خليجي بأن التحديات الراهنة والمستقبلية، التقليدية منها والمستجدة، أكثر خطورة وأعمق أثراً، ويجب أن تواجَه بشكل جماعي، ومن هنا يأتي التفاؤل بمستقبل خليجي أكثر تضامناً واستقراراً وازدهاراً لجميع دولنا وشعوبنا الخليجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة