تصريحات السوداني.. هل تسدد واشنطن بمرمى التقارب مع العراق؟
قبل 3 سنوات فقط، كان العراق على وشك طرد القوات الأمريكية التي ساعدت في طرد "داعش" من البلاد، لكن الوضع بات مختلفا ما بين الأمس واليوم.
فالوجود الأمريكي الذي كان معلقا بخيط رفيع في العراق قبل انتشار وباء كورونا، بدعوة ضعيفة من حكومة بغداد ، يبدو الآن أنه سيبقى هناك إلى أجل غير مسمى.
خلاصةٌ عززتها تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء العراقي الذي تم تنصيبه حديثا، محمد السوداني، في أول مقابلة له مع وسائل الإعلام الغربية الأسبوع الماضي ، لصحيفة "وول ستريت جورنال".
تصريحات كشف فيها السوداني أنه يريد من 2000 جندي أمريكي في بلاده، والذين يدربون القوات العراقية لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، الاستمرار في أداء عملهم في المستقبل المنظور.
وقال السوداني للصحيفة "نعتقد أننا بحاجة إلى القوات الأجنبية"، مضيفا "القضاء على داعش يحتاج إلى مزيد من الوقت".
رغبة السوداني اعتبرها مراسل البنتاغون والأمن القومي في مجلة "فورين بوليسي"، جاك ديتش، "الأكثر إيجابية" التي صدرت عن العراق في هذا الصدد، حسبما جاء في تقرير طالعته "العين الإخبارية" في المجلة.
ففي يناير/كانون الثاني عام 2020 ، بعد أيام من مواجهة عسكرية مستمرة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي بلغت ذروتها في اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس قاسم سليماني قرب مطار بغداد، وهجوم صاروخي باليستي انتقامي على القوات الأمريكية في العراق، اتخذ البرلمان تصويتا رمزيا لطرد القوات الأجنبية.
حينها، كان المشهد في بغداد ، وفقا لما نقلته "فورين بوليسي" عن مسؤولين أمريكيين سابقين، أشبه بحالة من الهرج والمرج.
يقول جوناثان لورد ، مسؤول دفاع أمريكي سابق ومساعد في الكونغرس يشغل الآن منصب مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد ، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: كان هناك قدر هائل من الإكراه لتجاوز التصويت الذي جرى في البرلمان.
تحولٌ في المد ببغداد
وعلى الرغم من أن دعم السوداني العلني لمهمة القوات الأمريكية، والذي أصبح محدودا بشكل متزايد منذ إعلان العراق هزيمة "داعش" في أواخر عام 2017 وسحب القوات المقاتلة، يبدو وكأنه تحول مفاجئ في المد في بغداد ، إلا أنه يعكس تحركا ثابتا نحو واشنطن في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الصدد، نقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين سابقين أن رؤساء الوزراء العراقيين أعربوا عن دعمهم القوي للمهمة العسكرية الأمريكية خلف أبواب مغلقة، لاسيما عادل عبد المهدي.
وقال مسؤول كبير سابق في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، شرط عدم ذكر هويته: "في كل مرة يغلق فيها الباب، كان الأمر: نحن ندعمكم بنسبة 100 في المائة ، ونريد وجود قوات أمريكية هنا ، لضمان استمرار هزيمة داعش ولكن أيضا لمواجهة النفوذ الإيراني".
وفي معرض حديثه عن المحادثات المغلقة، يضيف المسؤول نفسه: "ولكن بعد ذلك عندما تفتح الأبواب ، هناك تعديل لهذه الأشياء ، أليس كذلك؟ لأنه يتعين عليهم التعامل مع تاريخهم الخاص".
التحول في الموقف العراقي يأتي في الوقت الذي عززت فيه وزارة الدفاع الأمريكية وتيرة غارات القتل أو الأسر ضد كبار عناصر تنظيم "داعش" في سوريا ، وفق ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكانت الولايات المتحدة قلقة بشكل متزايد بشأن التطرف الذي يتسرب من البلد الذي مزقته الحرب إلى الدول الأخرى المعرضة للخطر ، حيث انتشر تنظيم "داعش" من سوريا إلى العراق في عام 2014.
وهو أيضا ما عبّر عنه السوداني في مقابلته مع الصحيفة، مشيرا إلى أنه قلق بشكل خاص بشأن احتمال وقوع هذا العمل الإرهابي.
ويضيف تقرير فورين بوليسي إن السوداني "الذي أيدته الفصائل الموالية لإيران في البرلمان العراقي، بدأ أيضا في استخدام قوات مكافحة الإرهاب النخبوية للقضاء على تهريب العملة إلى إيران، وهي خطوة أخرى من المرجح أن ترضي صناع السياسة في واشنطن".
الكرة في ملعب واشنطن
وعلى الرغم من أن السوداني يواجه ضغوطا من بعض القادة الشيعة في العراق ، إلا أن الرجل الذي أيدته الفصائل الموالية لإيران في البرلمان العراقي، بدأ أيضا في استخدام قوات النخبة لمكافحة الإرهاب لقمع تهريب العملات إلى إيران.
خطوةٌ أخرى رجحت "فورين بوليسي" أن ترضي صانعي السياسة في واشنطن".
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن تصريحات السوداني تترك المهمة العسكرية الأمريكية، في أفضل وضع لها منذ سنوات، تشير المجلة إلى قلق الخبراء من عدم الاهتمام بالعلاقة بين الولايات المتحدة والعراق داخل إدارة الرئيس جو بايدن".
ولهذا، ذكرت "وول سترين جورنال" أن السوداني يعتزم إرسال وفد إلى واشنطن في فبراير/شباط المقبل، في محاولة لتمهيد الطريق للقاء بايدن في وقت لاحق من هذا العام.
فهل تسدد واشنطن الكرة في ملهب لحظة التقارب مع بغداد، وتخترق جدار الوضع الإقليمي والدولي المضطرب؟