السلاح المنفلت بالعراق.. «رصاص مكتوم» في صدور المدنيين
هل يمكن أن تتخيل أن تخترق رصاصة طائشة رأس طفل وهو يلعب في منزله فتغرقه في دمائه؟
هذا ما حدث للطفل العراقي محمد أكرم، ابن الأربعة أعوام، في مشهد يتكرر كثيرا بهذا البلد الذي ينتشر فيه السلاح المنفلت بشكل مخيف.
تقول والدته رندة أحمد (30 عامًا) فيما يجلس ابنها بين أحضانها "كان محمد في غرفة المعيشة حين سمعنا فجأة صوت ضربة"، مضيفة "جاءت طلقة نارية مباشرة برأسه" في منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
في المناسبات السعيدة كما في الخلافات حتى البسيطة منها، يُطلق الرصاص عشوائيا في العراق حيث يُعد حمل السلاح ظاهرة شائعة في بلد لا يزال يعاني مخلفات حروب ونزاعات استمرت لعقود.
وعن مصدر الرصاصة، تقول رندة أحمد لوكالة فرانس برس: "لا نعرف، إنها طائشة".
وتضيف الأم في منزلها ذي السقف المعدني في الرضوانية غرب بغداد "حدث له نزيف فنقلناه للمستشفى وبقي خمسة أيام تحت المراقبة".
وتتابع "قال الأطباء إن حالته حرجة وخطرة وهناك احتمال أن يُصاب بالصرع"، موضحة "إذا تحركت الرصاصة ستؤدي لإصابته بشلل رباعي".
وبسبب صعوبة العملية نصح الأطباء بعدم إجرائها لسحب الرصاصة.
وبذلك، أصبح اللعب فعلا ماضيا بالنسبة لمحمد، إذ بدأ يشعر بإرهاق سريع ويعاني من صداع شديد بشكل متكرر.
«من السماء»
نهشت أعمال العنف العراق الذي يسكنه نحو 43 مليون نسمة، خلال الحروب والغزو الأمريكي عام 2003 وعنف طائفي ومعارك لطرد تنظيم داعش، والتي خلفت مئات الآلاف من القتلى.
وانتشرت في تلك الفترات أسلحة خفيفة وثقيلة في العراق حيث تكثر النزاعات العشائرية وتصفية الحسابات السياسية، ويقول كثيرون إنهم يتمسكون بالسلاح لغرض "الحماية".
ففي عام 2017، كان في حوزة المدنيين بالعراق نحو 7,6 مليون قطعة سلاح من مسدسات وبنادق، بحسب مسح أجرته منظمة "سمول آرمز سورفي" التي تتعقّب انتشار الأسلحة في أنحاء العالم.
ويقول المستشار لدى المنظمة آرون كارب لوكالة فرانس برس "يُتوقع أن تكون الأرقام اليوم أعلى بكثير"، ويقدر أن تكون الزيادة "ثلاثة إلى خمسة بالمئة سنويا" منذ 2017.
وفيما كان سعد عباس (59 عاما) جالسا بحديقة منزله في بلدة اليوسفية جنوب غرب بغداد يستعد لصلاة الجمعة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شعر بصدمة في كتفه.
ويقول "اعتقدت في بادئ الأمر أن أحدا ضربني بحجر في كتفي، لكن تبيّن في ما بعد أنني أُصبت برصاصة اخترقت كتفي واستقرت داخل صدري".
ويضيف "سقطت الرصاصة من السماء".
ورغم مرور عدة أشهر، لا يزال الرجل طريح الفراش بعدما نصحه الأطباء بعدم إجراء عملية جراحية خشية مضاعفات محتملة إذ يعاني من أمراض مزمنة.
ويتابع "لم تعد حركة يدي كما كانت في السابق لا أستطيع رفعها وأصابعي تؤلمني ولا أستطيع حتى رفع الغطاء (عند النوم)".
ويستطرد بغضب "عندما يفوز منتخب (كرة القدم)، الكل يطلق رصاصا، وفي الأعراس كذلك!"، متسائلا "أين يذهب كل هذا الرصاص؟ هل تسحبه الملائكة؟ كلّا، إنه يسقط على البشر والحيوانات".
ففي أواخر أبريل/ نيسان الماضي مثلا، قُتل رجل برصاصة طائشة خلال إطلاق نار احتفالا بزفافه في الموصل (شمال).
ويشدد عبّاس على ضرورة أن "يُسحب السلاح من كل الجهات ويبقى بأيدي الدولة" فقط.
خطة الداخلية
العام الماضي، بدأت السلطات تنفيذ خطة للسيطرة على السلاح المتفلت بافتتاح 697 مركزا في عموم العراق لتسجيل أو شراء الأسلحة غير الخفيفة من العامة.
وخصصت مبلغ مليار دينار (حوالي 750 ألف دولار) لكل محافظة وضعف ذلك المبلغ لمحافظة بغداد، وفقا للمتحدث باسم الخطة العميد زياد القيسي.
وبموجب القانون العراقي، يعاقب بالسجن لسنة واحدة من يملك سلاحا من دون إجازة.
وستتولى السلطات عملا بالخطة ذاتها "منح إجازة حيازة قطعة سلاح خفيف لكل مواطن يمتلك دارا ولكل رب أسرة مستقل، لغرض الحماية"، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري.
ويوضح لفرانس برس أن انتشار السلاح مرتبط لحد كبير "بثقافة المجتمعات العربية"، إذ إن "هناك من يعتبر في المناطق العشائرية والريفية أن السلاح جزء من شخصيته".
ويشير إلى أن "كمية الأسلحة التي تركها الجيش العراقي في أحداث تحرير البلد (بعد غزو 2003) كانت كبيرة"، وكذلك "أدخلت الجماعات المسلحة بين 2014 و2018 (في إشارة لتنظيم داعش) الكثير من الأسلحة بحكم ضعف إجراءات الضبط على الحدود، فكثرت الأسلحة بأيدي المواطنين".
ويؤكد ميري أن "المشكلة الرئيسية هي في السلاح المتوسط والثقيل" الذي يجب أن يكون بيد الدولة.
aXA6IDMuMTQ2LjE1Mi4xMTkg جزيرة ام اند امز