"اقتراع تشرين" بالعراق.. ذكرى عام على "ثورة مع وقف التنفيذ"
تمر اليوم الإثنين ذكرى مرور عام على ثورة صنعها العراقيون عبر صناديق اقتراع أفرزت مشهدا جديدا، عجز عن ترجمة مضامينه لممارسة تنتشل البلد من مأزق الانسداد السياسي.
ففي مثل هذا اليوم قبل عام، كان العراقيون يتوافدون على مراكز الاقتراع في عموم البلاد، للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية مبكرة يخوضونها ما بعد 2003، والتي جاءت استجابة لمطالب احتجاجية غاضبة منددة بالفساد ونفوذ المليشيات.
ومثلت الانتخابات التشريعية في الـ10 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقطة تحول في تاريخ العراق السياسي لما مثلته من انتصار لـ"احتجاجات تشرين" التي انطلقت في خريف 2019، وراح ضحيتها أكثر من 600 قتيل وآلاف الجرحى بنيران قوى عرفت حينها بـ"الطرف الثالث"، في إشارة إلى جماعات مسلحة تتحرك خارج إطار الدولة.
ورغم تشكيك قوى فقدت مواقعها البرلمانية أشادت منظمات دولية بما فيها بعثة الأمم المتحدة بالاقتراع ووصفوه بـ"التجربة الناجحة"، لما تميزت به من انضباط فني وتقني وأمني أبعد الناخب العراقي عن ضغوط السلاح والجهات المتنفذة.
وأفرزت تلك الانتخابات فوزاً كاسحاً للتيار الصدري بـ73 مقعداً، مبتعداً عن أقرب منافسيه من القوى الشيعية بفارق كبير، فيما شهدت قوى تقليدية مقربة من إيران تراجعا كبيرا في مستويات تمثيلها الجماهيري قابلها صعود لقوى وشخصيات مستقلة.
وخلفت تلك النتائج صراعا متصاعدا بين طرفي المشهدي الشيعي، قوى الإطار التنسيقي والصدر، بعد أن مضى الأخير بمشروع الأغلبية الوطنية بالتحالف مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني وهو ما فاقم الأزمة ودفعها نحو منزلقات المواجهة المسلحة لاحقاً.
واختار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الحائز على أكثرية مجلس النواب الذهاب إلى تشكيل حكومة وصفها حينها بأنها "لا شرقة ولا غربية"، ورفض منطق المحاصصة وضم قوى الإطار التنسيقي (القوى الشيعية المقربة من إيران) في الحكومة، مشترطا حل المليشيات ونزع السلاح المنفلت للتراجع عن هذا المبدأ.
تلك التحركات أسهمت في صب غضب قوى الإطار التنسيقي على الصدر وكيل التهم لحكومة مصطفى الكاظمي وأطراف محلية ودولية بتزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها عبر "السيرفرات الإلكترونية"، التي اعتمدت في تلك الممارسة، ووجهت على أثرها طعونا قضائية أبطلت في ساحات التقاضي.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد 3 أيام من تحرك مسلح للمليشيات الحشد عند أبواب المنطقة الرئاسية ببغداد تنديداً بنتائج تلك الانتخابات، هاجمت طائرات مسيرة منزل رئيس الوزراء في محاولة اغتيال فاشلة خرج منها الكاظمي بجرح طفيف.
ورغم جولات الحوار التي خاضها طرفا النزاع ومساعي قوى أخرى إدامة التفاهمات إلا أنها انتهت جميعها بالفشل دون إقناع الصدر بالعدول عن قرار استبعاد الإطار التنسيقي من مشروع الأغلبية الوطنية.
وفي مطلع العام الحالي، فتح البرلمان أبوابه أمام جلسة صاخبة شهدت تشابكا بالأيد خلال أداء اليمين الدستورية للأعضاء الجدد، انتهت بانتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان والتصويت على نائبيه.
وبمرور الوقت ، تتصاعد الأزمة شيئاً فشيئا بعد أن تعثر تمرير مرشح رئيسي الجمهورية في ظل قرار المحكمة الاتحادية الذي عرف بـ"الثلث المعطل"، حيث فرض بموجبه التصويت بحضور الثلثين بواقع 220 نائباً، ما أدخل العملية السياسية في البلاد بشكل رسمي مراحل "الموت السريري".
المحلل السياسي، عبد الأمير المجر، قال خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الانتخابات المبكرة علامة فارقة في تاريخ العراق وقد نجحت في تغيير الخارطة الكلاسيكية وحالت دون تكرار مواضع الثقل للقوى السياسية المتسلطة في المشهد منذ عام 2003".
وأضاف المجر أن "تلك المخرجات التي جاءت بها صناديق أكتوبر/تشرين الأول ، كانت بمثابة انتصار لدماء الاحتجاجات ولكن الطارئ المتغير الذي عصف بتلك التجربة قرار المحكمة الاتحادية العليا بإلزام تصويت ثلثي أعضاء البرلمان على رئيس الجمهورية في سابقة لم نشهدها من قبل وبالتالي قذفت بالعملية السياسية إلى دوائر التعقيد".
الصدر وبعد مماحكات وجدال وتبادل للاتهامات مع قوى الإطار، وفي تحرك مفاجئ دفع بنوابه الـ73 إلى تقديم استقالتهم واتخذ قرارا بالاعتزال السياسي، في وقت انشغل الخصوم بتقاسم الإرث النيابي وتمتين تواجدهم البرلماني.
وخرج رئيس التيار الصدري من الباب ولكنه عاد من الشباك، بحسب مراقبين، بعد أن تحرك للضغط على القوى المناوئة عبر الشارع الاحتجاجي بعد أن اقتحم أنصاره في أواخر يوليو/تموز المنطقة الرئاسية ببغداد، وأعلنوا اعتصاما مفتوحا حتى تحقيق المطالب التي تضمنت حل البرلمان والمضي نحو انتخابات تشريعية مبكرة.
وكانت قوى الإطار قبل ذلك التحرك تحشد مليشياتها في الظل وتحاور سياسياً في العلن، رداً على تحركات الصدر التي وصفتها بـ"الخروج عن الشرعية"، وانتهاكاً لمؤسسات الدولة، وصولاً إلى الصدام المسلح بين الطرفين أواخر أغسطس/آب، عند أبواب المنطقة الخضراء والذي انتهى بمقتل وإصابة العشرات.
نجا العراق من 18 ساعة من حرب أهلية استعرت ولكن ما زال رمادها ينذر بالاشتعال مجدداً في ظل استدامة الأزمة ورفض الصدر الحوار مع قوى الإطار والتسليم بمساعيهم نحو نسخة توافقية من الحكومة.
وأفرزت تطورات الانسداد السياسي تبادلا في المواقف حيث مضى أصدقاء الصدر القدامى من تحالف السيادة والديمقراطي الكردستاني بالاقتراب مع الإطار بتحقيق تشكيل موحد جاء باسم "بناء الدولة"، يأخذ على عاتقه المضي نحو تشكيل حكومة جديدة.
ومع مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اندفعت جماهير تشرين مجدداً نحو ساحات التظاهر لاستكمال انتفاضتهم في خريف 2019، وهم يرفعون شعارات التغيير وإمهال صناع القرار السياسي في البلاد 25 يوماً لتنفيذ تلك المطالب.