مع انطلاقها.. كل ما تريد معرفته عن الانتخابات العراقية
بدأ العراقيون، الثلاثاء، الإدلاء بأصواتهم لاختيار برلمان جديد مؤلف من 329 مقعدًا، يشكل مستقبل البلاد السياسي.
ويُنظر إلى هذه الانتخابات، وهي السادسة منذ عام 2005، بوصفها محطة ديمقراطية جديدة في مسار الدولة العراقية نحو ترسيخ مؤسساتها الدستورية وتعزيز الاستقرار السياسي.
- بغداد «مندهشة» من تصريحات إيران بشأن انتخابات العراق: استفزازية
- العراق يفتتح انتخابات 2025.. تصويت خاص للعسكريين والأمن والنازحين
وتأتي في أعقاب انتهاء انتهاء التصويت الخاص لمنتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والنازحين والذي استمر يومين.
تنظيم محكم وإقبال واسع
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة السابعة صباحًا بالتوقيت المحلي في جميع المحافظات العراقية، بما فيها محافظات إقليم كردستان، ليستقبل أكثر من 21.4 مليون ناخب مسجل للإدلاء بأصواتهم حتى السادسة مساءً.
- يتنافس في هذه الدورة أكثر من 7740 مرشحًا يمثلون طيفًا واسعًا من الأحزاب والتيارات والقوى الوطنية
- بينهم نحو 2500 مرشحة من النساء، بما يعزز التمثيل المتوازن في الحياة السياسية العراقية
ويخوض المرشحون التنافس على 329 مقعدًا موزعة وفق قانون الانتخابات المعدل لعام 2023، الذي أعاد العمل بنظام الدوائر الواسعة، وأتاح مشاركة الأحزاب والتحالفات الكبرى إلى جانب المستقلين، الذين بلغ عددهم 75 مرشحًا.

إطار ديمقراطي متجذر
ومنذ أول انتخابات بعد عام 2003، شكّل العراق تجربة سياسية فريدة في المنطقة، إذ أقرّ نظامًا برلمانيًا يقوم على التعددية الحزبية والتوازن بين المكونات.
ويُنتخب البرلمان الجديد لولاية تمتد 4 سنوات، ليكون مسؤولًا عن اختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء ورئيس للبرلمان، وفقًا للتوزيع الدستوري المتعارف عليه بين المكوّنات الوطنية:
- رئيس الوزراء من المكوّن الشيعي.
- رئيس البرلمان من المكوّن السني.
- رئيس الجمهورية من المكوّن الكردي.
هذا النظام القائم على الشراكة والتوازن السياسي أسهم في استمرار الاستقرار المؤسسي وتجنّب الفراغات الدستورية، رغم التعدد الواسع في القوى السياسية والمذاهب والعرقيات.
تحالفات رئيسية ومشهد سياسي متنوع
وتتميز هذه الانتخابات بتنافس كبير بين القوى السياسية الرئيسية، وفي مقدمتها القوى الشيعية، إلى جانب القوى السنية والكردية.
وتبرز بين التحالفات والقوائم الانتخابية ما يلي:
القوى الشيعية:
- ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية لمواصلة برامجه الاقتصادية والتنموية.
- ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي يتمتع بحضور سياسي واسع داخل الوسط الشيعي.
- تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم، الذي يمثل التيار الوسطي المعتدل.
- منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وهي من أبرز الكيانات المشاركة في العملية السياسية منذ عام 2003.
- حركة الصادقون التابعة لقيس الخزعلي، وحركة حقوق المقربة من كتائب حزب الله، وتعدّان من القوى المؤثرة في المشهد النيابي.
- حركة حقوق المقربة من كتائب حزب الله، أحد أبرز الفصائل الموالية لإيران وتصنفه الولايات المتحدة جماعة «إرهابية».
ورغم خوض هذه القوى الانتخابات بشكل منفصل، إلا أن تشكيل تحالف شيعي واسع بعد إعلان النتائج ليس مستبعدا لتسمية رئيس الحكومة المقبل.
القوى السنية:
ويخوض سنة العراق الانتخابات بقوائم منفصلة هي:
- تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، ويُتوقّع أن يحقق نتائج جيدة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين.
- تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر ومحمود المشهداني، ويُعد أحد أكبر الكتل السنية المنافسة.
- تحالف العزم بقيادة مثنى السامرائي، الذي يركز على قضايا إعادة الإعمار والتنمية في المحافظات السنية.
القوى الكردية:
- الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ويتمتع بنفوذ واسع في أربيل ودهوك.
- الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، وله ثقل سياسي في السليمانية وكركوك.
- حركة الجيل الجديد المعارضة، التي تسعى إلى تقديم نموذج إصلاحي جديد في الساحة الكردية.
البرامج الانتخابية
وتركز معظم القوائم والائتلافات المشاركة في الانتخابات على ملفات الإعمار، وتحسين الخدمات العامة، وتنويع الاقتصاد، وتوفير فرص العمل.
كما تضع في أولوياتها دعم القطاع النفطي والزراعي والصناعي، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية الإدارية.
وتبرز في برامج العديد من التحالفات أهمية توسيع دور الشباب في الحياة السياسية، ودعم التعليم والتكنولوجيا والطاقة النظيفة.
الاستقرار الإقليمي والدور الخارجي
ويحافظ العراق في السنوات الأخيرة على توازن دبلوماسي دقيق في علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية.
ويُتوقّع أن تواصل الحكومة المقبلة سياسة الانفتاح المتوازن مع كل من الولايات المتحدة وإيران ودول الخليج وتركيا، بما يعزز موقع العراق كدولة محورية في المنطقة.
وتشير دوائر سياسية في بغداد إلى أن استمرار العراق في سياسة الحياد الإيجابي مكّنه من تجنّب تداعيات الحرب في غزة عام 2023، والحفاظ على استقراره الأمني رغم التحديات الإقليمية المحيطة.
وتواصل واشنطن دعمها للعراق في مجالات مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وتنويع الاقتصاد، بينما تركز طهران على العلاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة مع بغداد، في إطار تعاون إقليمي متبادل يحافظ على مصالح الطرفين.
ماذا يحدث بعد الانتخابات؟
تبدأ المرحلة التالية للعملية الانتخابية بـ:
- مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية، بعد استكمال إجراءات العد والفرز ومراجعة الطعون.
- خلال 15 يومًا من إعلان النتائج النهائية، تُعقد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد برئاسة النائب الأكبر سنًا، لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه.
- في غضون 30 يومًا من انتخاب رئيس البرلمان، يُنتخب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس
- يقوم الرئيس الجديد بتكليف مرشح «الكتلة النيابية الأكبر» بتشكيل الحكومة خلال مدة أقصاها 15 يومًا.
- يُمنح رئيس الوزراء المكلّف مهلة لا تتجاوز 30 يومًا لتقديم تشكيلته الوزارية إلى البرلمان لنيل الثقة.
ورغم أن التجارب السابقة شهدت في بعض الأحيان تأخيرًا في تشكيل الحكومات بسبب التفاهمات السياسية الموسّعة، فإن الحكومة العراقية الحالية أكدت جاهزيتها لضمان انتقال سلس ودستوري للسلطة بعد إعلان النتائج الرسمية.
هل يعود السوداني؟

ويتوقع محللون لـ«فرانس برس» أن يحصل ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يقوده رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، على عدد جيد من المقاعد، من دون أن يعني ذلك بالضرورة عودته إلى منصبه.
ووصل السوداني إلى سدّة رئاسة الحكومة في 2022 بعد جمود استمرّ أكثر من عام من جانب تحالف «الإطار التنسيقي» صاحب أكبر كتلة برلمانية حاليا، وهو يضمّ أحزابا شيعية حليفة لطهران.
ولطالما أشاد بجهود حكومته في إبقاء العراق بمنأى عن الاضطرابات التي شهدها الشرق الأوسط منذ استلامه منصبه.
ورغم خوضها الانتخابات بشكل منفصل، يُتوقّع أن تتّحد بعد الاقتراع الأحزاب الشيعية المنضوية ضمن «الإطار التنسيقي» لتشكيل أكبر كتلة.
ويغيب عن السباق الانتخابي هذا العام الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي يتمتّع بقاعدة شعبية كبيرة، إذ اعتبر أن العملية الانتخابية يشوبها "الفساد". ودعا مناصريه إلى مقاطعة كلَي التصويت والترشح.
وانتهت الانتخابات الأخيرة التي شهدت أدنى نسبة مشاركة (41%) في 2021، بفوز الصدر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان (73 مقعدا)، لكنه انسحب منه جرّاء خلافات مع "الإطار التنسيقي" حول تشكيل الحكومة. وانعكست الأزمة التي استمرت أشهرا، عنفا داميا في الشارع.
في المقابل، تخوض الأحزاب السنية الانتخابات بشكل منفصل، ويُتوقّع أن يحقّق رئيس المجلس النواب السابق السياسي السنّي النافذ محمّد الحلبوسي مكاسب ملحوظة.
وستشمل الانتخابات إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، ويستمرّ فيه التنافس السياسي التاريخي بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
بين التاريخ والمستقبل
وبدأ العراق إجراء الانتخابات النيابية للمرة الأولى عام 2005 بعد إقرار الدستور الجديد، ومنذ ذلك الوقت تواصلت التجارب الانتخابية في مواعيدها الدستورية، بما يعكس التزام المؤسسات العراقية بالنهج الديمقراطي رغم التعقيدات السياسية والتعدد المذهبي والعرقي.
وتمثل هذه الانتخابات امتدادًا لتقاليد دستورية ترسخت خلال العقدين الماضيين، أسهمت في تعزيز مبدأ المشاركة الشعبية، وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع.
ويأمل العراقيون أن تشكّل الانتخابات الحالية بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية والبناء، في ظل ما حققته الحكومة الحالية من خطوات في تحسين الأمن والخدمات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU0IA== جزيرة ام اند امز