حملت الأخبار الواردة طيلة الأيام الماضية حول القرصنة الروسية للانتخابات الامريكية الكثير من الغرابة وربما التندر،
حملت الأخبار الواردة طيلة الأيام الماضية حول القرصنة الروسية للانتخابات الامريكية الكثير من الغرابة وربما التندر، ووفرت هذه الأخبار لوسائل الإعلام مادة دسمة، بل إن بعض تلك الوسائل ذهب إلى حد ازدراء الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يبدو أنه قبل على مضض تقرير المخابرات الأمريكية الذي أثبت بما لا يدع مجالا للشك دور مئات قراصنة المعلومات الروس -وربما بتوجيه من بوتين شخصيا- في ترجيح كفة ترمب على منافسته هيلاري كلنتون، والوصول به بالتالي إلى أهم كرسي في العالم: سدة البيت البيض.
لكن هناك سؤالا ملحا يطرح نفسه من بين ثنايا هذه الأخبار: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، مخترعة الانترنت وصاحبة اليد الطولى فيها، وذات الأمن الإلكتروني المعقد، وأجهزة الاستخبارات المتطورة، قد تعرضت بالفعل لخطر التهديد الروسي الذي وصل إلى أهم مؤسسة، مؤسسة الرئاسة، فأي دولة أو منظمة أو مؤسسة أو شخص يمكن أن يكون محصنا ضد الاختراق والسيطرة؟!.
لو كنت مكان بوتين، أو كنت رئيسا لأي دولة من الدول العديدة التي تستخدم هذه التقنيات المتقدمة، لفكرت في استقطاب الهاكرز واستثمرت فيهم ووفرت لهم ما يحتاجونه من موارد، وأصبح بإمكاني حينها التأثير على أي عملية ديمقراطية. أو أي شيء أو أي شخص، والاحتمالات هنا لا حصر لها.
قبل سنة تقريبا، أطلقت مجموعة من المتسللين الذين يتحدثون الفارسية والمعروف من أية دولة يتحدرون، هجوما إلكترونيا على مدينة الرياض، مستهدفين أنظمة الطاقة في حي العليا بالعاصمة السعودية عبر اقتحام أنظمة الكمبيوتر، وترك الملايين بدون كهرباء وخدمات، والتأثير سلبا على كثير من المؤسسات من بينها مستشفيات ومنشآت عسكرية.
لكن هؤلاء المتسللين لم يدركوا أنهم وقعوا في خدعة ذكية، حيث كانت الشبكات التي هاجموها نسخة طبق الأصل من شبكات نظم المعلومات الحقيقية في المملكة العربية السعودية.
في الواقع، إن مجموعة الأمن السيبراني التي أطلقت هذا النموذج تحت اسم (MalCrawler) أقامت عليه تجارب مماثلة في العديد من الدول، وتعرضت هذه النماذج لهجمات من قراصنة كمبيوتر حقيقيين، وأسفرت تلك الهجمات عن الكثير من المعلومات المثيرة للاهتمام حول أهداف المتسللين: الصينيون كانوا حريصين على سرقة المعلومات الاقتصادية والتقنية وأي شيء يشبه مخطط ولكن مع تجنب القيام بأي ضرر. فيما كان الروس مهتمين بالحصول على أسرار يمكنهم استخدامها مستقبلا، أما الإيرانيون فكانوا ببساطة حريصين على إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر.
كما أظهرت هذه التجارب أن كل كمبيوتر له استخدامات سياسية أو دفاعية أو اقتصادية عرضة دائمة لهجمات المئات من قراصنة الانترنت، وكان كثير من أولئك القراصنة أكثر تطورا وتصميما من الاعتقاد السائد.
في النسخة الإسرائيلية من هذه التجربة، نجح المتسللون في المساومة على ما ظنوا أنها أنظمة السلامة في إحدى محطات الطاقة النووية الإسرائيلية، واعتقدوا أنهم وصلوا إليها بالفعل وأعطوا الأوامر لتدميرها، ولكنهم ربما فوجئوا بعدم رؤية سحابة ضخمة في السماء فوقنا جميعا.
هذه المنطقة في العالم تقع في وسط الحروب السيبرانية. في عام 2008 أطلق الإسرائيليون والأمريكيون فيروس الكمبيوتر «ستكسنت» ضد البرنامج النووي الإيراني والذي بث الفوضى وحرم إيران من تشغيل مفاعل بوشهر على النحو الذي تريد، كما هوجمت أرامكو السعودية في العام 2012، وعلى الرغم من أن إنتاج النفط لم يتأثر، إلا أن الهجوم تسبب بما يمكن تسميته فوضى تكنولوجية.
كما هاجم قراصنة يعتقد أنهم منتمون لكتائب عز الدين القسام مواقع بعض أكبر البنوك في الولايات المتحدة بما في ذلك بنك جي بي مورجان وبنك أوف أمريكا.
منذ أكثر من سنة، نجحت شركة أمريكية في اختراق قراصنة الكمبيوتر، والوصول إلى منصة القرصنة الكبرى، والعثور على قائمة «بنك أهداف» لديهم يتضمن قرابة 1842 منظمة ومؤسسة 18 في المائة منها السعودية، و17 في المائة في الولايات المتحدة، و16 في المائة في إيران، و5 في المائة في إسرائيل.
في البحرين شهدنا زيادة الجهود المبذولة لمعالجة الأمن السيبراني. ومع ذلك، تحتاج أجهزة الدولة والمؤسسات والشركات أن تفعل أكثر بكثير إزاء هذا التحدي، خاصة بعد أن جعلت حادثة قرصنة الروس للانتخابات الأمريكية من الولايات المتحدة وكأنها دولة من العالم الثالث، في وقت نرى فيه بعض أقرب حلفائنا وجيراننا قد تعرضوا للهجوم نفسه مرارا وتكرارا، ومع العلم أن هناك دولا محددة تضمر لنا العداء تستثمر مليارات الدولارات في أنشطة الإنترنت غير الشرعية.
تبدو الهجمات الالكترونية وكأنها خيال علمي، لكن لا يجب أن نستيقظ يوما لنجد أجهزة الدولة الحساسة لدينا، ومصارفنا وشبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي لدينا عرضة لهجوم إلكتروني، ومعلوماتنا السرية والحساسة في أيدي أعدائنا.
لدينا الحق أن نشعر بالقلق بالفعل، وكل فرد منا يجب عليه بذل المزيد من الجهد لفهم مخاطر القرصنة الإلكترونية، والتأكد أنه في مأمن منها.
* نقلاً عن " الأيام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة