أولى المفاجآت التي صنعها دونالد ترامب بُعيدَ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ؛ كانت اتصاله الهاتفي مع رئيسة تايوان تساي انغ وين في 8 نوفمبر / تشرين الثاني 2016.
أولى المفاجآت التي صنعها دونالد ترامب بُعيدَ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ؛ كانت اتصاله الهاتفي مع رئيسة تايوان تساي انغ وين في 8 نوفمبر / تشرين الثاني 2016. حاول المقربون من ترامب تخفيف أهداف الاتصال بعد الضجة التي أحدثتها الصين، ولكن تطور الأحداث لاحقاً؛ أكد أن المحادثة لم تكن عفوية، وأن ترامب يملك بعض التحفظات على العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والصين، ولديه رؤية خاصة لمستقبل هذه العلاقات، قد لا تُرضي الجانب الصيني، أو إنها قد تؤدي إلى تغيير جذري في شكل العلاقة بين البلدين، وفي مضمونها.
الضجة الصينية حول الاتصال مع تساي انغ وين، لم تُثن ترامب عن الإعلان عن استعداده للقائها بعد 20 يناير /كانون الثاني الحالي تاريخ تسلُمِهِ المسؤولية رسمياً، خصوصاً إذا قامت انغ وين بزيارة إلى الولايات المتحدة بعد هذا التاريخ.
يبدو أن ترامب تعمَّد أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية وبعدها؛ الإشارة إلى التساهُل الذي تمارسه إدارة الديمقراطيين برئاسة باراك أوباما مع الصين، مما أدى - برأيه - إلى اختلال كبير في الميزان التجاري بين البلدين لصالح بكين، وأدى أيضاً إلى توسُّع لنفوذ الصين في منطقة شرق آسيا وجنوبها على حساب انحسار الدور الأمريكي، وأوضح دليل على هذه الواقعة هو تجرؤ الرئيس الفلبيني الجديد رودريغو دوتيري على التمرُّد على السياسة الأمريكية، وفتح قنوات اتصال مع أخصامها في المنطقة، علماً أن الفلبين؛ تعتبر الحليف الأهم لواشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.
النمو المُتسارع للاقتصاد الصيني يُخيف الشركات الأمريكية، ويولِّد الخشية لدى إدارة ترامب الجديدة من وصول بكين إلى مكانة تسمح لها بمنافسة واشنطن في ملفات دولية كبيرة، ومنها ملفات أمنية وعسكرية، تعتبرها من الثوابت التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، خصوصاً على سبيل المثال: حرية الحركة في بحر الصين الجنوبي، حيث تنظر إليه واشنطن على أنه مياه دولية عامة، بينما أصبحت بكين تعتبره جزءاً أساسياً من مياهها الإقليمية.
ولا يرتاح ترامب وكبار مساعديه إلى تجاوز التبادل التجاري بين البلدين عتبة ال 600 مليار دولار، يُقارِب العجز فيه إلى النصف لغير مصلحة الولايات المتحدة. كما أن الدخل المحلي الإجمالي للصين ينمو بخُطىً مُتسارعة، وقد أصبح الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة، وتجاوز ال 9000 مليار دولار.
الملف الآخر الذي يُساهم في تعكير العلاقات بين ترامب والقيادة الصينية؛ هو موضوع كوريا الشمالية. لا سيما بعد أن أعلنت بيونغ يانغ عن قرب إنتاجها لصواريخ عابرة للقارات ويمكن أن تطال الأراضي الأمريكية، وهي قادرة على حمل رؤوس نووية.
فترامب قال: إن الصين تستفيد إلى أبعد الحدود من الولايات المتحدة، وهي تبيع منتجاتها في الأسواق الأمريكية، ولا تبذل أي جهد لضبط التهوُّر الكوري الشمالي - على حدِ تعبيره.
التحدي الكوري الشمالي لسياسة ترامب؛ قد يفرض عليه خريطة طريق جديدة، يتجاوز فيها أغلبية ما أعلنه إبان حملته الانتخابية. فالصين ليست وحدها مَن يحمي الاندفاعة الكورية، بل إن موسكو تتوافق مع بكين حول الملف الكوري، سواء من قبيل المجاملة لها، أو لناحية الحفاظ على العلاقات القديمة التي تربط روسيا بكوريا الشمالية، وهذا الموضوع سيؤثر سلباً على مستقبل العلاقات الواعدة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. وبطبيعة الحال فإن المصالح هي التي تغلُب على الكيمياء الشخصية بين الرؤساء، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بقضايا دولية كبيرة، حيث لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة؛ بل مصلحةٌ دائمة.
قد يكون ملف العلاقات الصينية - الأمريكية؛ هو الملف الأكثر إثارة في مشهدية النموذج الجديد من الإدارات الأمريكية التي تغلُِب عليها سمةُ الحماسة والانفعال.
* نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة