كي نبدأ تعريف الثقافة العربية المعاصرة يتعين علينا أن نعرف مفهوم الثقافة أولا. وهي في اللغة العربية تتصل بالتشذيب.
كى نبدأ تعريف الثقافة العربية المعاصرة يتعين علينا أن نعرف مفهوم الثقافة أولا. وهى فى اللغة العربية تتصل بالتشذيب
وما يضفيه الجهد البشرى من إضافات للطبيعة الأولية سعيا لترويضها لإشباع احتياجاته . أما فى اللغات الأوروبية –على سبيل المثال- فهى تقوم على النشاط الزراعى باعتباره يلبى حاجة الإنسان إلى الغذاء أولا قبل أن يسعى لتلبية سائر احتياجاته الفكرية والروحية . فمن أقدم ما أبدعت فيه الثقافات الاجتماعية على مدى البشرية عادات طهى وإعداد الطعام . ولا زلنا نجد التمايز بين الثقافات على مستوى عالم اليوم فى هذا المجال على الرغم من مسعى العولمة لطمسه لصالح سلاسل مطاعم «التيك أواى» ، التى تناظر تعميم ألحان موسيقى البوب فى كافة أرجاء الكون ، وهو ما صار يهدد ثقافة وآداب الطعام فى المجتمعات العربية. تأتى بعد ذلك ثقافة بناء المسكن الذى يأوى إليه الناس ويحتمون به من العراء وهو فى الأصل مرتبط بالطبيعة التى تؤويهم . فإن كانت صحراوية تعين استخدام الخامات المحلية المتاحة لبناء الدور، وأولها استخدام النخيل, ولعل اكتشاف الراحل حسن فتحى لعقلانية بناء دور الفلاحين من الطوب اللبن هو أفضل ما خرج به من درسه للهندسة المعمارية فى واحدة من «أشهر» الكليات الجامعية فى أوربا ، وهى «البوليتكنيك» فى باريس . فقد هداه وعيه الناقد للاستفادة بما تعلمه فى أوربا من قوانين دينامية الهواء لاكتشاف عقلانية الملاقف والقباب فى التكييف الطبيعى لدور الفلاحين فى مصرنا . ومع ذلك فقد أوسعه أهل بلده سخرية وتجاهلا حتى بلغ منتصف الثمانينات من العمر ، بينما كرمه العالم على اكتشافه هذا.
أما فى مصر فقد صارت عمارة حسن فتحى المتوافقة مع خصوصية البيئة المصرية، والتى أرادها لفقرائنا كى يحافظوا عليها ويبدعوا فيها ، صارت لأغنياء القوم . غير أن مرجع ذلك لتطورات اجتماعية اقتصادية ، ومن ثم «ثقافية» خارجة عن إرادته من بينها نضوب بنائى القباب نظرا لتفضيل الأجيال الجديدة لحياة المدن السهلة، وهجرة الفلاح المصرى من الريف المصرى إلى بلاد الخليج العربى وما ترتب عليه من تقويض للنظام القيمى الذى ساد حياة الريف المصرى وصارت أموال الخليج تدعو الفلاح المهاجر لتجريف أرضه الزراعية التى عشنا بفضله على خيرها آلاف الأعوام ، كى تقام عليها مساكن «حديثة» بالطوب المسلح جيد التوصيل للحرارة فى الصيف ، والرطوبة فى الشتاء بدلا من الطوب اللبن الذى ظل يحمى أصحابه بمادته الحية من برودة الشتاء وحرارة الصيف على مدى التاريخ.
*نقلاً عن "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة