نشكو في لبنان من أمراض سياسية واجتماعية واقتصادية تقعدنا عن التفكير في كيفية تطوير شروط الحياة بحيث يكون لبنان بلدًا جاذباً للاستثمار من غير اللبنانيين
نشكو في لبنان من أمراض سياسية واجتماعية واقتصادية تقعدنا عن التفكير في كيفية تطوير شروط الحياة بحيث يكون لبنان بلدًا جاذباً للاستثمار من غير اللبنانيين وبصورة أهم يكون بلدًا يستطيع شبابه وشاباته توقع الازدهار والرقي في السنوات المقبلة. فمن المؤكد ان فقدان الامل في ظروف أفضل، والغاء قدرات الهيمنة على القرارات الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والعلمية، أمر يعني أن البلد يعاني أعراض المرض السريري، ونتيجة معاناتنا المرض السريري نعرض قضيتين تخصان لبنان، قبل تناول مخاطر نزاع صيني - أميركي وامكانات تفادي نزاع كهذا.
يريد اللبنانيون ان ينظروا الى الانتخابات الرئاسية وتشكيل الوزارة خلال فترة أشهر لا سنوات على أنها مؤشرات لقرب انقلاب الظروف والادارة العامة نحو الانجاز الاقتصادي والاجتماعي. ودعونا نعتبر ان المناخ الفكري والسياسي هو هذا. علينا ان نختار مناهج الانجاز، وان نقدر ما بالإمكان تحقيقه من البرامج في الاوقات ذاتها أو أوقات متقاربة، وكلنا يعلم أن التدهور الذي أصاب لبنان في منشآته الاساسية وهيكليته الادارية ومناخه البيئي، يبدو كأنه يحول دون امكان تحقيق اصلاح حقيقي يكرس حقوق المواطنين ويكتسب حماستهم للمستقبل. وسنعدد بعض التحديات ولا يمكننا ان نطاول كل التحديات والمشاكل لانها لا تحصى.
الامر البديهي ان يتمتع البلد ببيئة نظيفة، وهذا الأمر يعني أن علينا انتاج الكهرباء إما باستعمال الموارد المائية وإما بتعميم الالواح التي تتشبع بالطاقة الشمسية وتوفرها للاستعمالات المنزلية في ما بعد. كما علينا ان ننظر بعمق وان ندرس امكانات توليد الطاقة من الرياح ومن الطاقة الحرارية الجوفية، وكل هذه المناهج لتوفير الطاقة النظيفة تحتاج الى وقت ليس بقصير. وهنالك برامج كرسها مصرف لبنان لدعم انتاج الطاقة النظيفة بتوسيع استعمال الالواح الزجاجية الشمسية وانجاز حقول التقاط الهواء في مساربه الطبيعية لتوليد الطاقة. وبعدئذٍ يكون علينا استقصاء حاجاتنا من الطاقة وانشاء المعامل التي تعمل على لقيم الغاز، الذي يمكننا تأمينه في مستقبل قريب من بلدان كقطر مثلاً، وفي المدى الابعد ربما من موارد الغاز في مياهنا الاقليمية. وعلينا ان ننتظر سنوات قبل توافر هذا الغاز، وحينئذٍ ودون تقدير الموارد المالية التي ستتوافر، والتي يستوجب تقديرها الالمام بشروط الاتفاقات ومعرفة تكاليف الحفريات والتجهيزات، وبعد كل ذلك مستويات الاسعار عند الانتاج. ولهذه الاسباب جميعًا نقول ان انشاء الصندوق السيادي سابق لأوانه لان صندوقاً كهذا يفترض ان تتوافر موارده من فوائض ارقام الموازنة، وليس لدينا أمل في ذلك في السنوات المنظورة، حتى لو وسعنا وعمقنا دائرة الضرائب على الانتاج غير النفطي في انتظار توافر الغاز لدينا بعد سبع أو ثماني سنوات.
قضية مصادر الطاقة ووسائل تأمينها تحظى بالتأكيد باهتمام كبير، ويجب ان يترجم هذا الاهتمام بتأسيس شركة نفط وطنية تحوز فيها الدولة نسبة مقبولة من التملك عبر تكريس منشآتها في طرابلس والزهراني لرسملة جزء من رأس مال الشركة. واذا أحسن اختيار أعضاء مجلس ادارة شركة النفط الوطنية، لا يستغربن أحد ان تتوافر موارد الرسملة التي يجب ألا تقل عن مليار دولار اضافة الى قيم المنشآت القائمة، التي صارت متآكلة الى حد بعيد، لكن لها بعض القيمة، كما أن لاراضي مصفاتي طرابلس والزهراني قيماً ملحوظة.
ومعالجة موضوع الطاقة لا تشمل فقط أسعار البنزين والمازوت والكهرباء، بل تؤثر على تكاليف الانتاج وفاعلية وسائل الانتاج. فعلى سبيل المثال، لو توافرت الكهرباء دون انقطاع مدى 24/24 ساعة ومقابل تكاليف معقولة مع توافر خدمات يركن اليها، تتحسن بيئة الاعمال الى حد بعيد. فالانترنت المتقطع في لبنان والذي تكاليفه مرتفعة وخدماته لا يمكن اعتمادها بثقة على مدار ساعات اليوم، بات المحرك الرئيسي لعمليات التبادل التجاري والمعرفي ونشاط الاسواق المالية وحتى الخدمات الطبية المتقدمة. وكما قال الاقتصادي الفرنسي Yan Mounlier Boutag إن الانترنت الذي يؤمن الخدمة بفاعلية هو السفينة والبحر للعصر الحديث من أجل تطوير عالم ما بعد الرأسمالية كما عرفناها وكما شاهدنا انهيارها. فالانترنت يشبك مصالح الناس في مختلف بقاع العالم، وسنورد مثالاً على ذلك ونكتفي في هذا المقال بالحديث عن الطاقة والتواصل.
الرئيس الاميركي المنتخب أثار في تصريحاته موجة من الخوف وخصوصاً حين هدد بفرض رسوم على استيراد المنتجات الاستهلاكية والالكترونية من الصين بمعدل 45 في المئة، وها هو يبدأ بالتراجع بعدما أدرك مدى فاعلية الانترنت في تسويق المنتجات الاميركية في الصين، ومدى تشابك المصالح.
بالنسبة الى الانترنت، استقبل الرئيس ترامب رئيس شركة Ali Baba، الاسم المأخوذ من العربية، وهي شركة لتسويق المنتجات على أنواعها عبر الوسائل الالكترونية للتواصل وأخصها الانترنت. وقد رحب ترامب بضيفه الذي أكد له ان شركته تستطيع تسويق منتجات اميركية عدة منها ألبسة صوفية وجلدية وغذائية لدى 300 مليون صيني يتمتعون بقدرات شرائية تضاهي ما يتوافر لذوي الدخل المتوسط في الولايات المتحدة، وصعق ترامب لتأكيد رئيس شركة Ali Baba ان بإمكان الشركة تسويق منتجات اميركية سنويًا بقيمة تراوح بين 200 مليار و300 مليار دولار.
يضاف الى ذلك ان الصين تملك 1.2 تريليون من سندات الدين الاميركية، وأي عقوبات غير محمودة تفرض على صادرات الصين الى الولايات المتحدة قد تشجع الصين على تصفية احتياطها من سندات الخزينة الاميركية، فيعاني الاقتصاد الاميركي انتكاسة كبيرة ويهبط سعر الدولار، وقد يفقد قيمته الاساسية العملة الاوسع استعمالاً في تمويل التجارة العالمية.
الحيلولة دون تفاقم مناخ التبادل الصيني - الاميركي تفيد الاقتصاد العالمي ككل، واذا لا سمح الله توسع الخلاف وأدى الى فرض رسوم ضريبية على مستوى 45 في المئة على مستوردات الولايات المتحدة من الصين، فإن العالم سوف يغوص في ازمة مالية أقسى من تلك التي عاناها ولا يزال منذ ثماني سنوات.
ربما لهذا السبب أعلن المرشح لمنصب وزير التجارة الاميركي انه لا يوافق على اقتراح ترامب فرض رسوم على مستوى 45 في المئة على المستوردات من الصين. وترامب بدأ بدوره يدرك أهمية الصين، خصوصاً ان حجم أعمال شركة Ali Baba الصينية لتسويق المنتجات الكترونيًا تجاوز حجم أعمال أكبر شركة أميركية تعمل في المجال ذاته.
*نقلاً عن "النهــار"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة