في جملة واحدة يمكننا القول إن حال العراق والعراقيين اليوم لا تسر. ولعل هذا الكلام بمطلقه لا يثير حفيظة أحد، ذلك أن الشواهد التي تصل إلى أسماعنا وأبصارنا لا تعد ولا تحصى.
في جملة واحدة يمكننا القول إن حال العراق والعراقيين اليوم لا تسر. ولعل هذا الكلام بمطلقه لا يثير حفيظة أحد، ذلك أن الشواهد التي تصل إلى أسماعنا وأبصارنا لا تعد ولا تحصى. وإذا ما تجردت المؤسسات والدول من المحاباة، وتخلت عن الكيل بمكيالين عندما تصدر تقاريرها أو تصرح بمواقفها فيما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية، ويمارس من انتهاكات حقوقية على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والمليشيات الطائفية الأخرى، فإنها حتما ستنقل لنا صورة موضوعية واضحة لا تنطق إلا بما آل إليه العراق من دمار وخراب وتفتيت ممنهج لمفاهيم الوطن والمواطنة والدولة.
المهم أني شخصيا أحمد الله على أن الغمامة التي كانت تهيمن على مناظير الجهات المتابعة لأوضاع حقوق الإنسان في العراق قد زالت، وعلى أن زوايا النظر لديها قد اتسعت بما مكن منظمة العفو الدولية مثلا من أن تنشر أول التقارير المتحدثة عن الانتهاكات الحقوقية والفعال الإجرامية التي تمارسها في وضح النهار ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقية المذهبية في بلاد الرافدين منذ أيلولة تدبر أمور هذا البلد ذي التاريخ العريق والمكانة العالية في الحضارة الإنسانية وحكمه إلى الأحزاب السياسية الدينية، ولا أظن أنها ستكون آخر هذه الانتهاكات والجرائم في ظل منظومة سياسية تجعل الفتك بالآخر المختلف واجبا شرعيا حتى وإن مورس في إطار سياسي جامع جديد قيل أينه الدولة الديمقراطية. عش رجبا وسترى عجبا!
هذه الميليشيات التي توحدت تحت مسمى«الحشد الشعبي» مثلها مثل «حزب الله»، و«أنصار الله» و«داعش» وغيرها من الميليشيات التي تشكل عنوانا بارزا لمشهدية جديدة في البلدان العربية اتضحت معالمها أكثر منذ بداية «ربيعها» في العام 2011، فـ«الحشد الشعبي» هو جزء من مشهدية ميليشياوية في الإسلام السياسي الشيعي فرضت إيران تشكيلها على الأحزاب العراقية الشيعية الحاكمة في إطار الدولة العراقية، وأرغمت- إيران- هذه الأحزاب على أن يتلقى هذا«الحشد» روافده المالية ودعوماته اللوجستية ضمن الموازنة العامة للمؤسسة العسكرية، ويأتي ذلك تكرارا منسوخا لذات النهج الإيراني الذي في ضوئه أُنشئت قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وصار بعد ذلك ما صار عليه وضعه ضمن الدولة الإيرانية، إذ صار الجهاز النافذ والفاعل والحاكم بأمره في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، فهو آلة قمع رهيبة لكل الأصوات التواقة إلى شيء من الحرية في ظل حكم ثيوقراطي رهيب احتكر مفاتيح السماء وجثم بكل عقده وفساد رموزه على إيران لينتهز غباء أمريكيا أو تواطؤا أمريكيا عجيبا منحه بلاد الرافدين على طبق من ذهب، وها هو الآن يقضم الكعكة السورية. وإذا ما ترك الشعب العراقي الأمور تسير وفق ما يخطط له «الملالوة» فلن يكون مستغربا أن يهدد هادي العامري أو أي آخر على شاكلته دول مجلس التعاون التي نعلم جميعنا أنها محط الأطماع الرئيسة لعصابة دولة الملالي، إذ لا تمر مناسبة إلا ويتقيؤون بحنقهم المذهبي والعرقي إزاء دول الجوار جميعها.
عند الحديث عن هذه الميليشيات أجد، شخصيا، صعوبة في وصفها بالشيعية كما يرد في أكثر التقارير والأخبار والكتابات، ولكني وجدتني مع الأيام أتكيف مع هذا التوصيف، ليس لصحته بكل التأكيد ولكن، لأني شخصيا أنزه معتنقي المذهب الشيعي كثاني أكثر المذاهب انتشارا في العالم عن أن يكونوا كارهين للمذاهب أو الطوائف الأخرى التي يتشكل منها المجتمع العراقي، وفي اعتقادي أن في إبعادهم عما ترتكبه هذه الميليشيات من ممارسات تقطر حقدا وكراهية ضد المكونات الاجتماعية الأخرى وخصوصا المذهب السني، وحصر هذه الممارسات في أوساط من تشوهت دواخلهم من هذه الجماعات الميليشياوية التي ارتضت بيع أوطانها في سوق النخاسة نظير أوهام سياسية لن يحصدوا منها إلا الحصرم، واجبا إعلاميا أجده أحد السبل الفعالة في التصدي للمؤامرة التي تفتك بالعراق والمنطقة حاليا باستعمال سلاح التفتيت المذهبي والطائفي.
فميليشيا «الحشد الشعبي» تحافظ على حضورها في كل المعارك العسكرية التي تخوضها وخصوصا في معركتي «الفلوجة» و«الموصل» لا لسبب إلا للانتقام. وفي المعركتين خلفت هذه الميليشيا مآس إنسانية أكثر ضحاياها، إن لم نقل، كل ضحاياها من الطائفة الاجتماعية التي لا ينتمي أفراد هذه الميليشيا إليها. «الحشد الشعبي» تنظيم ميليشياوي بامتياز يبحث له عن صفة قانونية سينالها حتما على يد رجال الدولة الطائفيين الذين أتوا إلى الحكم على ظهور الدبابات الأمريكية. وفي هذا الإطار ليس علينا أن ننسى أن «الحشد» في تركيبته وفي أجنداته المعلنة وغير المعلنة لا يختلف عن ميليشيات أخرى، وأزعم أن أكثر هذه الميليشيات شبها به هو «حزب الله» ذراع إيران في لبنان وسوريا.
لا يهمنا من كل ما سبق أن هناك نفرا أو حتى جماعات في العراق أو في غير بلد من البلدان العربية قد خارت مبادئهم القومية ووهنت وطنيتهم لصالح المذهبية التي قفزت في المشهد الاجتماعي نتيجة تلكؤ وخوار في مواجهة الأطماع الإيرانية التي أعلن عنها منذ اليوم الأول الذي فيه وصل الخميني إلى طهران معلنا قيام الجمهورية الإسلامية في ذات يوم من عام 1979، ما يهمنا حقيقة، وينبغي أن ننتبه له ونصغي إليه بكل عناية وتركيز، هو هذه التهديدات التي يطلقها قادة هذه الميليشيا مثل: هادي العامري (وزير مواصلات سابق في الحكومة العراقية)، إزاء شعوب وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، فهذه الخطابات ليست مجرد فرقعات إعلامية، إنها إعلان نوايا عن حرب قادمة يخطط لها السفلة مستعينين فيها بطابور خامس نحمد الله أن انكشفت عناصره وسقطت عنهم كل أقنعة المتاجرة بحقوق الإنسان التي كانوا يتسولون بها دعما دوليا.
هادي العامري، قائد ميليشيا «الحشد الشعبي»، عراقي الجنسية! وهو واحد من القيادات التي حاربت ضد العراق في حربه مع إيران، وينبغي أخذ تصريحاته على محمل الجد. تصور إلى أي درجة هذا الرجل كان جاحدا لوطنه ولشعبه، وكيف كان متلبسا بالمذهب على حساب وطنه وأبناء وطنه، فكيف يكون الحال إذا استتب له الأمر وصار في مركز متقدم في السلطة مثل أن يكون رئيسا للوزراء. ولا عجب في ذلك فنوري المالكي كان رئيسا للوزراء! ومن هان عليه وطنه وأبناء وطنه سهل أن تهون عليه أوطان ترى إيران أنها جزء من استراتيجيتها الأمنية. أليس كذلك؟
*نقلاً عن "الأيام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة