في قرى ومناطق نائية في سوريا، حيث لا يتوقع أحد وجود الصيد السمين، سقطت رؤوس "داعش" واحدا تلو الآخر، لتترك جسدا متخبطا.
وإذا أردنا إطلاق وصف واحد على عام 2022، فسيكون "خريف قيادات داعش"، إذ سقط في هذا العام وحده 3 قيادات للتنظيم، بينهما "زعيمان" للتنظيم، ما يضع مستقبل هذه الفكرة الشيطانية على المحك.
وطأة هذا العام الثقيلة على "داعش" تظهر من خلال صعوبة رسم نقطة بداية لهذا التقرير، إذ تلقى التنظيم الضربات في بداية ووسط ونهاية العام، وجميعها ضربات قاصمة في صف قيادته الأول.
البداية كانت في فبراير/شباط الماضي، حينما أعلن الرئيس الأمريكي مقتل ثاني زعيم لـ"داعش"، أبو إبراهيم القرشي، بعد عملية أمريكية في سوريا، استغرق الإعداد لها شهورا.
وأوضح بايدن في مؤتمر صحفي، أن مقتل زعيم تنظيم "داعش" في عملية أمريكية على سوريا "أزال تهديدا إرهابيا كبيرا".
وحول تفاصيل العملية، أوضح الرئيس الأمريكي أن زعيم "داعش"، "فجر نفسه" عندما حاصرته القوات الأمريكية إثر العملية الليلية شمال غربي سوريا، ما أدى لمقتله ومقتل أفراد عائلته.
ومضى موضحا "أزحنا من الميدان أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، مضيفا أن الأخير "أشرف على عمليات في مختلف أنحاء العالم وكان مسؤولا عن الهجوم الوحشي الأخير على سجن شمال شرقي سوريا لتحرير سجناء تنظيمه".
والقرشي هو "الخليفة الثاني" لتنظيم "داعش" وبويع بعد مقتل "أبو بكر البغدادي"، الذي فجر نفسه أيضا عندما حاصرته قوات أمريكية في سوريا قبل سنوات.
وما إن انتصف العام، وقبل أن يلتقط "داعش" أنفاسه بعد الضربة الأولى، تلقى ضربة ثانية قاسمة في يوليو/تموز، إثر الإعلان عن مقتل قائده في سوريا، ماهر العقال".
مقتل العقال، القائد الميداني، كانت مختلفة تماما عن طريقة مقتل "زعيميه"، إذ إنه لم يفجر نفسه أثناء حصار، بل استهدفته طائرة مسيرة أمريكية أثناء تنقله بدراجة نارية قرب ناحية جنديرس في منطقة عفرين في ريف حلب شمالي سوريا.
وبخلاف العقال، أسفرت العملية الأمريكية عن إصابة أحد كبار مساعديه بجروح خطيرة، ولا يعرف مصيره حتى الآن.
وفور مقتل العقال، قالت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان "لم يسبق وأن تردد اسم هذا المسؤول كثيرا ضمن قائمة القيادات التي تمسك بزمام الأمور في "داعش"، لكن تبين عند مقتله، أنه أحد القادة الخمسة المسيطرين على التنظيم".
القيادة المركزية الأمريكية قالت في بيان إنها خططت بشكل قوي لعملية قتل العقال، لضمان تنفيذها بنجاح، لافتة إلى أن هذا الرجل "كان يسعى لتطوير شبكات داعش خارج العراق وسوريا".
والعقال هو المتهم الرئيسي في التخطيط للعديد من الهجمات الإرهابية، وكذلك تأمين المتفجرات المستخدمة في تفجيري "السلطان أحمد" بمدينة إسطنبول، وسوروج في ولاية شانلي أورفة بتركيا.
وكان تفجير ميدان السلطان أحمد وقع في 12 يناير/كانون الثاني 2016، وأسفر عن مقتل 10 ألمان، وإصابة 16 شخصا بجروح، 14 منهم أجانب. أما تفجير قضاء سروج في 2015، فأسفر عن مقتل 33 شخصا وإصابة 86 آخرين.
وبعد هذه العملية، حزن تنظيم "داعش" على العقال، وربما استبدله التنظيم بقائد آخر، لم يعلن عنه، حتى ظن أن الأمور عادت إلى مسارها، وتم تجاوز الضربة، قبل أن تهوي مطرقة جديدة على رأسه.
إذ قتل ثاني "خليفة" للتنظيم في أقل من 10 أشهر، إذ أعلن المتحدث باسم تنظيم "داعش" في كلمة صوتية، نشرت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن القرشي.
وتابع أن القرشي "قتل أثناء المعارك"، دون أن يشير إلى مكان أو توقيت مقتله، واكتفى بالإعلان عن اسم الخليفة الجديد، أبو الحسين الحسيني، وهو شخصية مجهولة.
فيما قالت مصادر محلية في بلدة جاسم بمحافظة درعا السورية لـ"رويترز"، إن أبوالحسن الهاشمي "فجر نفسه بحزام ناسف، بعد محاصرته هو ومعاونوه من قبل مقاتلين محليين".
وقالت المصادر، وبينها أقارب بعض من لقوا حتفهم في الاشتباكات وسكان جاسم، إنه "تم العثور على الهاشمي ومساعديه في مخبأ سري داخل أحد المنازل".
فيما قال سالم الحوراني، وهو من سكان بلدة جاسم وشارك في حصار المنازل الثلاثة التي كان يختبئ بها عناصر "داعش" إن "زعيم التنظيم ورفيقه فجرا نفسيهما بأحزمة ناسفة بعد أن نجح المقاتلون في اقتحام مخبئهم".
مقتل زعيم "داعش" الثالث منذ ظهور التنظيم في عام 2014، حدث بنفس الطريقة التي قتل بها سابقيه؛ تفجير النفس عند التعرض للحصار، وإن اختلف المحاصر هذه المرة؛ مقاتلين محليين وليست قوات أمريكية.
وبالإضافة إلى مقتل 3 من الصف الأول في "داعش"، تعرض قيادي رابع للاعتقال في عملية إنزال للتحالف الدولي بريف حلف الشرقي في يونيو/حزيران 2022، هو هاني أحمد الكردي، المعروف بـ"والي الرقة"، وإحدى قيادات عمليات التنظيم بسوريا.
هذه الخسائر في الصف الأول، دفعت مسؤولين أمريكيين للقول إن "داعش" بات في وضع لا يسمح له إلا بالصراع من أجل البقاء، بسبب "خسارة كبيرة في المواهب في القيادة العليا".
يتزامن ذلك من معاناة التنظيم من ضعف عام، إذ تشير تقديرات الاستخبارات الغربية، إلى أن تنظيم "داعش" انتقل من قيادة ربما ما يزيد عن 20 ألف مسلح في الأشهر التي أعقبت انهيار آخر معاقله في سوريا، إلى تنظيم لا يتعدى عدد أفراده 6000 شخص في سوريا والعراق.
ووفق مراقبين، فإن استراتيجية "قطف الرؤوس"، أي الاستهداف المتزايد لقيادات "داعش"، قد تدفعه إلى مزيد من المناورات لإخفاء هوية عناصر الصف الأول، لكنها تضعف في نفس الوقت قدرات التنظيم بشكل كبير على شن هجمات وتهديد قوات الأمن أو المدنيين.