من تدمر إلى سيدني.. شبكات «داعش» ترسم خرائط إرهاب عابر للحدود
عاد تنظيم "داعش" إلى الواجهة بعد تنفيذ هجومين في سوريا وأستراليا، مما أثار مخاوف متجددة بشأن عودة نشاطه وقدرته على التأثير عالميًا.
تبنى التنظيم الإرهابي رسميًا الهجوم الذي وقع في مدينة تدمر السورية مما أدى إلى مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني، كما تبني أيضا الهجوم في شاطئ بوندي بمدينة سيدني الأسترالية خلال احتفال يهودي بعيد الحانوكا وأسفر عن مقتل 15 شخصًا.
وأعاد إعلان داعش مسؤوليته المباشرة عن الهجومين طرح التساؤلات حول مدى تمدد التنظيم وشبكاته العابرة للحدود، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
وفي تصريحات للمجلة، قال كريستوفر كوستا، المدير التنفيذي للمتحف الدولي للتجسس، والذي شغل سابقًا منصب المساعد الخاص للرئيس ومدير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن "وجود منفذي هجمات شاطئ بوندي في جنوب الفلبين يثير قلق المحققين، ومن المحتمل جدًا أن يكونوا قد تواصلوا مع مخططي داعش".
وتنشط ما تسمى "ولاية شرق آسيا" التابعة لداعش، في جنوب الفلبين، ورغم نفي السلطات هناك وجود أدلة على تلقي المهاجمين تدريبًا إرهابيًا، فإن مجرد السفر إلى مناطق يشتبه في وجود نشاط للتنظيم بها أثار قلق الأجهزة الأمنية والخبراء.
ويرى مسؤولون وخبراء في مكافحة الإرهاب أن هذه الهجمات تعكس استراتيجية داعش المستمرة في استغلال الأحداث العالمية، وعلى رأسها حرب غزة، لتأجيج مشاعر الكراهية وتحريض أنصاره على استهداف اليهود والمسيحيين والغرب عمومًا.
ويؤكد الخبراء أن التنظيم يعتمد بشكل متزايد على الدعاية الرقمية والتحريض الأيديولوجي بدلًا من العمليات المركزية المعقدة، وهو ما يجعل تتبع الخطر أكثر صعوبة.
وبالتزامن مع هذه التطورات، شهدت القنوات والمنصات المرتبطة بداعش تصاعدًا ملحوظًا في الدعوات إلى العنف، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد مثل عيد الميلاد ورأس السنة وهي الفترة التي تعد حساسة أمنيًا بسبب كثافة التجمعات العامة وسهولة استهدافها.
وحذر كوستا من أنه وعلى الرغم من الأهمية العسكرية للضربات الأمريكية الأخيرة ضد مواقع داعش في سوريا إلا أنها قد تدفع التنظيم أو أنصاره إلى تنفيذ هجمات انتقامية في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك أوروبا وربما الولايات المتحدة.
وخلال العقد الماضي، مر التنظيم بتحولات كبيرة فبعدما كان يسيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا ويعمل كشبه دولة، تعرض لهزيمة عسكرية قاسية على يد التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة وضم عددا كبيرا من الدول.
واليوم، لم يعد داعش يملك أراضي واسعة، لكنه ما زال يحتفظ بخلايا نشطة وقدرة على تنفيذ هجمات محدودة، خاصة في سوريا كما أن مقتل قادته أضعف القيادة المركزية، في حين لا يُعرف الكثير عن الزعيم الحالي وكنيته أبي حفص الهاشمي القرشي.
وعلى الرغم من هذا الضعف الظاهري في الشرق الأوسط، إلا أن لامركزية بنية داعش التحتية أثبتت جدواها على جبهات أخرى حيث ازدهر التنظيم في مناطق أخرى، خاصة في أفريقيا، حيث تنشط فروع قوية مثل ما يسمى "ولاية غرب أفريقيا" و"ولاية الساحل" و"ولاية الصومال".
كما يبرز فرع ما يُعرف بـ"ولاية خراسان" في أفغانستان كأحد أخطر أفرع التنظيم، بعد تورطه في هجمات دامية خارج البلد.
وبشكل عام تظهر هذه الفروع قدرة ملحوظة على استغلال الفضاء الرقمي للتجنيد وجمع الأموال والتحريض على الهجمات عالميًا.
أما ما تُسمى "ولاية شرق آسيا"، فقد حظيت باهتمام أقل في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إعلان الفلبين القضاء على "جماعة أبو سياف".
ويشير بعض الباحثين إلى أن داعش في شرق آسيا لا يملك حاليًا أراضي أو تدفقًا كبيرًا للمقاتلين الأجانب، وأن نشاطها يقتصر على عمليات محدودة.
وأعرب عدد من المراقبين، مثل سيدني جونز، كبير مستشاري معهد تحليل سياسات الصراع في إندونيسيا والأستاذ المساعد في جامعة نيويورك، عن شكوكهم بشأن مدى ارتباط منفذي هجوم شاطئ بوندي بداعش، حيث إن وجودهم في الفلبين في حد ذاته لا يعني شيئا.
ومع ذلك، فإن موسم الأعياد يظل فترة مقلقة في آسيا، إذ سبق لجماعات متطرفة أن نفذت هجمات خلال هذه المناسبات، كما حدث في تفجيرات عيد الميلاد بإندونيسيا عام 2000.
وبينما لا يزال مدى نشاط داعش في شرق آسيا وأفريقيا على الأرض وقدرته على تنفيذ عمليات خارجية غير مؤكد، فقد وردت رسائل عديدة متداولة على شبكات موالية للتنظيم من مستخدمين وحسابات تدعي أنها من الفلبين وتايلاند وإندونيسيا.
وتعكس الدعاية الأخيرة لداعش تحولًا كبيرا في أساليبه، حيث يهتم التنظيم باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، لتسهيل تنفيذ هجمات فردية دون الحاجة إلى تخطيط معقد أو دعم لوجستي كبير.
وفي أوروبا، تتزايد المخاوف من استهداف أسواق أعياد الميلاد، التي سبق وكانت الهدف "المفضل" لداعش بسبب رمزيتها وسهولة مهاجمتها. وبالفعل، أعلنت دول مثل ألمانيا وبولندا إحباط مخططات إرهابية في حين تشدد الولايات المتحدة أيضًا إجراءاتها الأمنية بعد حوادث دهس وإطلاق نار مستوحاة من داعش.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز