"الإسلام في شعر المسيحيين".. كتاب يوثق تجربة 30 شاعرا
"الإسلام في شعر المسيحيين" يوثّق أعمال 30 شاعرا مسيحيا كتبوا قصائد في الإسلام تعود إلى مناسبات عدة.
"الإسلام في شعر المسيحيين" عمل للكاتب اللبناني فارس يواكيم، يوثّق فيه أعمال 30 شاعرا مسيحيا كتبوا قصائد في الإسلام تعود إلى مناسبات عدة. 30 شاعرا خصص الكاتب لكل منهم فصلا قدم سيرة الشاعر وتحليلا لأعماله، إضافة إلى اختيار قصائد لبعض الشعراء في المقدمة. شعراء من لبنان وسوريا وفلسطين والسودان ينتمون جميعهم إلى أواخر القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين.
فكرة قديمة راودت الكاتب تعود إلى عام 1976، يومها ابتاع يواكيم مجلة "الهلال" المصرية، على غلافها عنوان "شاعر مسيحي يكتب عن محمد"، وفي المجلة مقالة عن الشاعر السوري وصفي القرنفلي وقصيدته في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم). وبعدما قرأ الكاتب المقال والقصيدة توارد إلى خاطره بعض القصائد التي كتبها شعراء عرب مسيحيون في موضوع الإسلام. ومن بعدها راح يجمع ما يقع تحت ناظره من قصائد "إسلامية المضمون والهوى" بأقلام ليست مسلمة. وعلى امتداد سنوات بقي متصلا بهذه الفكرة التي راح يعمل عليها فترات متباعدة ومتقطعة، كلما سنحت له فرصة البحث، وبعدما انتهى من التجميع والاختيار، تفرغ لتحرير الكتاب الذي صدر العام الماضي.
لا يعرض الكتاب قصائد مختارة فحسب، بل يتضمن سيرا ذاتية لكل شاعر ودراسة تحليلية لقصائده لكشف المصادر الإسلامية فيها وشرح معاني الأبيات بعد إحالتها على جذورها. وعن هذه الدراسة التحليلية يقول يواكيم، في حديث خاص لبوابة "العين" الإخبارية: "حين يكتب الشاعر جورج صيدح "لا يعجز الله الذي إنْ قال كُنْ للشيء كانْ" أشير إلى أنه استوحى الصورة من القرآن الكريم من "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون" (من سورة النحل). أو حين يكتب خليل مطران: "رسالة الله لو حلّت على جبل/ لاندكَّ منها وأضحى بطن أخدود"؛ ففي نظمه استيحاء من سورة الحشر: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله".
قصائد لشخصيات طبعت الذاكرة العربية، تتناول مناسبات إسلامية، وكأن ثقافة المجتمع في هذا كانت مشتركة إلى حد الانصهار، بعيدا عن الحسابات الطائفية والدينية التي تجنح نحو التقسيم. شخصيات اختارها الكاتب وفق معايير عدة، أولها جودة القصائد، ثم تنوع المواضيع من السيرة النبوية، إلى أعياد الفطر والأضحى، إلى الآذان مرورا برأس السنة الهجرية وصلاة الاستسقاء وغيرها. كما تنوع البلدان التي ينحدر منها الشعراء. وعلى هذا الأساس نشر قصائد للشاعرين السودانيين المسيحيين صالح بطرس وعزيز التوم منصور، وعرض قصائد لشعراء مشهورين ولشعراء أقل شهرة، رأى أنه من المناسب إعطاؤهم حقهم من الأضواء.
اللافت في الكتاب الحقبة التاريخية للبحث؛ إذ إن الشعراء ينتمون إلى حقبة أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ويتوقف الكاتب عند هذه النقطة مشيرا إلى أن بعد ذلك حقبة طويلة تخلو من أسماء شعراء مسيحيين كتبوا في الإسلام. كذلك لم يجد لدى الشعراء العراقيين المسيحيين قصائد في موضوع الإسلام. وهذا ما يفسره بأنه "ربما الذين لمعوا في الشعر العراقي من المسيحيين قلة، ومنهم سركون بولص مثلا، لكنه ينتمي إلى شعراء الحداثة. وهؤلاء لم يهتموا بموضوع الدين أساسا. على أن العراق غني بالأسماء المسيحية التي تناولت الإسلام كثقافة ومنهم الأب أنستاس الكرملي والمؤرخ كوركيس عواد وغيرهم".
بعد نشر الكتاب، اكتشف يواكيم شاعرا سوريا يدعى عبد المسيح الأنطاكي، نظم ملحمة من 6000 بيت تتناول السيرة النبوية، ومعظمها من باب النظم. بعكس ما نشره من المطولة الشعرية لمارون عبود وهي من روائع القصائد، أو "نشيد القرآن" لحليم دموس وهي من 114 رباعية على عدد سور القرآن الكريم، مستوحيا معنى كل رباعية من معنى السورة. كذلك اكتشف أنه نسي الاستشهاد بقصائد الشاعر اللبناني سابا زريق، وهذا ما سيتم استدراكه في الطبعة الثانية من الكتاب.
"الإسلام في شعر المسيحيين" بحث أدبي ثقافي انتظر الكاتب طويلا لنشره، إلا أن تنامي التطرف جعله يبادر بالنشر. وقيمة هذا الكتاب تكمن في مضمونه أولا وتوقيت نشره ثانيا، نحن بحاجة إلى هكذا أعمال تعيد تثبيت صورة سليمة عن العلاقات المسيحية-الإسلامية التي كانت سائدة سابقا. ولأن "الإنسان عدو ما يجهل" ومعرفة الآخر مهمة، وفق ما يقول صاحب العمل، فهو يتوجه إلى القارئ المسلم والمسيحي على حد سواء؛ إذ إن "تناول شعراء مسيحيين موضوعَ الإسلام فعل إيجابي يجب أن يدركه المسلم والمسيحي. كما أن المسيحي العربي يولد في بيئة ثقافتها السائدة إسلامية، يتشرب هذه الثقافة منذ تفتح وعيه. إضافة إلى أن اللغة العربية هي لغته الأم، وهي في الوقت نفسه لغة القرآن الكريم".
لا يختلف المسيحي العربي عن شريكه المسلم في الثقافة، عادات وقواسم مشتركة يحملها الاثنان ولغة واحدة يفكّران بها ويتحدثانها، ليس مستغربا أن يكون النتاج الأدبي متشابها لا يفرّق بين الأديان، وكتاب "الإسلام في شعر المسيحيين" خير دليل على أن الآخر لا يختلف عنا.
aXA6IDMuMjEuMTU5LjIyMyA= جزيرة ام اند امز