تمر العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة وأوروبا بموجة من التغيرات، ربما غير المسبوقة، عززت من الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باعتباره المتسبب الرئيسي في هذه الخلافات كنتاج لسياساته في حرب غزة.
ولعل ما يمكن طرحه كأسئلة رئيسية حول ما نشهده من مستجدات هي: إلى أين ستصل هذه الخلافات؟ وهل سيستطيع نتنياهو تخطيها ببراغماتيته؟ وما انعكاسات ذلك على موقف أمريكا والدول الأوروبية تجاه هذه الحرب؟
إن المتتبع لسيرورة الحرب في غزة، سيلحظ أن استمرارها مرتبط بمستقبل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، أكثر مما هو مرتبط بالتوصل إلى حل مستدام مع الجانب الفلسطيني. الإنجاز الذي تتطلع إليه بعض عناصر الائتلاف يعد بعيد المنال بالنظر إلى أنه يستهدف القضية الفلسطينية ذاتها، الأمر الذي عبّر المجتمع الدولي عن رفضه بحكم المرجعيات والأعراف الدولية المتصلة بهذه القضية.
الموقف الأمريكي الحالي -الذي بالأحرى هو موقف دونالد ترامب حيال نتنياهو- يُعبر عن نقطة نظام مفصلية قد تُحدد المعالم المستقبلية لحرب غزة. صحيح أن التحالف "الإسرائيلي-الأمريكي" استراتيجي ولا يمكن أن يُفك بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للعلاقة بين الطرفين والتي تأسست تاريخيا عبر المزج بين "عناصر صلبة" تتمثل في المصالح الاستراتيجية وأخرى ناعمة تتعلق بأبعاد عقدية وثقافية وسياسية، إلا أن التطورات الحالية قد تغير النظرة المتعارف عليها الخاصة بقدرة إسرائيل على فرض إرادتها على السياسة الخارجية الأمريكية عبر تأثيرها الكبير والمنظم في دوائر صناعة القرار الأمريكي.
إن الموقف الأوروبي المضاد لإسرائيل الذي نتج عن الحالة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون، والهجوم على بعض وفودهم الدبلوماسية من قبل القوات الإسرائيلية، لا شك سيمثل أيضًا مسارًا مختلفًا في التعاطف الأوروبي غير المشروط مع الرواية الإسرائيلية، وما يعزز هذا الطرح هي تصريحات فرنسا وبريطانيا عن خططهم ورؤيتهم المستقبلية واستعدادهم للاعتراف بدولة فلسطين، الأمر الذي سيحتّم بقاء القضية وحمايتها من التصفية، خاصة مع نظرة بعض عناصر الائتلاف الحاكم الإسرائيلي الحالي التي تهدف لذلك.
من ناحية أخرى، قد ينجح نتنياهو، بحنكته السياسية وخبرته في التعاطي مع الإعلام الغربي الذي يتأثر بالقصص الشخصية والعاطفية، في توظيف الهجوم الذي قُتل فيه عضوان من السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي في العاصمة واشنطن، لاحتواء الموقف الغربي المناوئ لحكومته وصولا إلى إقناعهم بعدم اتخاذ أي قرار يضر بالاقتصاد الإسرائيلي خاصة مع التهديدات الأوروبية التي شهدناها فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة.
في سياق كهذا، ومع اتساع دوائر التأثير اليهودي في الإعلام الغربي، قد تسعى الحكومات الأوروبية إلى الموازنة بين السردية الإنسانية الخاصة بما هو حاصل في غزة، والسردية الإسرائيلية حول حادث موظفي السفارة، لبلورة موقف أقل ضررا بإسرائيل.
ومن هذا المنطلق؛ فإن الأداة الاقتصادية التي لوّح بها الغرب قد تغيب، إلا أن الخطاب المؤيد للاعتراف بدولة فلسطين قد يتعزز، خصوصًا مع القناعة الدولية بأنها اللب الأساسي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من طرف، ودعماً للمقاربة الغربية الحالية الرامية لإنهاء الحروب بمختلف الجبهات في العالم من طرف آخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة